أن تكون مؤمنا بأن "الإحساس نعمة".!! طريقك إلى الذكاء الاجتماعي (2)
صحيح الإحساس نعمة
هل سبق لك أن وقفت في إحدى إشارات المرور فسمعت صخبا وموسيقى عنيفة تنبعث من السيارة المجاورة لك، قائدها يُصر بشكل مستفز على أن تتعايش مع نغماتها..!؟.
هل تصادف أن كنت في مكتبة عامة، أو قاعة سينما، أو مسجد، وبجوارك أحدهم يتحدث في الهاتف بصوت مرتفع ويتشاجر ويأخذ ويرد، غير عابئ بما يمثله لمن حوله من إزعاج!؟
هل قادك سوء الطالع لتجلس في حافلة وبجوارك من ينفث دخان سيجارته في وجه الجميع، رافضا -وبإصرار- تعدي أي راكب على حقه الدستوري في أن يتحول إلى "شكمان"؟؟!
بلا شك حدث لك موقف أو أكثر مما قصصت عليك؛ بل في الغالب لديك من الأمثلة الواقعية ما هو أسوأ وأكثر سوداوية، وأكاد أجزم أننا جميعا في لحظة ما زمجرنا في غضب مكتوم ولسان حالنا يصرخ "صحيح الإحساس نعمة".
للأسف الشديد يوجد بيننا من البشر من يملك رصيدا من البرود والأنانية يدفعانه إلى التعامل مع شركاء الحياة وكأنهم كومبارس خلقهم الله لاستكمال الصورة، وعليه أن يفعل ما يشاء وقتما يشاء بالطريقة التي يريدها، دون الوضع في الاعتبار مشاعر وأحاسيس الآخرين.
في مقالي السابق قلت: إن الشخص الذكي اجتماعيا يجب أن تتوفر فيه عدة صفات جوهرية، على رأسها أن يملك (تحليلاً جيداً للموقف الاجتماعي).
وقصدت به أن يكون لديه استشعار كبير لما حوله، وأن يتمتع بحس إنساني يؤهله لاتخاذ السلوك الملائم، مراعيا من حوله، مقدرا أن النفوس بيوت أصحابها يجب أن تُطرق برفق.
إننا عندما نهمل هذا الحس الاجتماعي نصبح من أمثلة الأصناف التي ذكرناها في بداية حديثنا، الجميع ينظر إلينا في غيظ وحنق ونحن في غفلة عما يدور حولنا؛ غير مدركين أن رادار الإحساس لدينا معطل وبه خلل يحتاج إلى إصلاح فوري.
ولعل السؤال الذي يقفز هنا:
كيف يمكن للمرء أن يقف على حدود ذكائه الاجتماعي، ومعرفة نقاط القوة أو الخلل لديه؟
والإجابة تبدأ من القناعة التي يجب أن يؤمن بها المرء من أن هناك مجموعة من القواعد تحكم البشر، وتتحكم إلى حد كبير في سلوكهم وانطباعاتهم وردود أفعالهم.
وأن فهم هذه القواعد والتعامل معها بحنكة ودراية من شأنه أن يقربك كثيرا من التميز في علاقاتك بالآخرين.
ومن جملة هذه القواعد:
• أن الناس تبني وجهة نظرها على سلوكك لا نواياك، أنت ما تفعل لا ما تحمل بين جنبيك، والنوايا الحسنة في التعامل الإنساني لا تكفي وحدها، يجب أن يتعلم المرء منا كيف يعبر عن مشاعره الدفينة بأسلوب صحيح، النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا ذات يوم وسط أصحابه، فقال احدهم : "يا رسول الله إني أحب فلاناً، فسأله النبي: وهل أخبرته؟ فأجابه الرجل: لا، هنا قال له النبي: إذا أحب أحدكم فلانا فليخبره".
إن المشاعر إذا لم يتم التعبير عنها، لن تصل إلى الآخر، وبالتالي لن يقابلها بالتصرف السليم؛ مما يساعد على وجود سوء فهم.
وهنا لا أقصد فقط المشاعر الطيبة؛ بل حتى المشاعر السلبية، تحاج كثيرا أن تتدرب على كيفية التعبير عنها كالحنق والحزن والألم، وحتى الاشمئزاز بشكل صحي وفعال!.
نحن نعرف العديد من البشر مع تأكدنا الكامل من حسن نواياهم، وطيبة قلوبهم؛ إلا أننا نرى كيف أنهم يساء فهمهم كثيرا، لا لشيء إلا لأنهم لا يهتمون بالطريقة المثلى التي يعرضون بها أفكارهم وآراءهم ومشاعرهم على الآخرين.
• التعامل مع البشر ينشئ نوعا من التوتر؛ نظرًا لاختلاف أذواقنا، وميولنا، وأهوائنا، واهتماماتنا، وقيمنا، صار من الطبيعي أن نختلف، ونتجادل، ونتناقش، في أمور ربما نراها نحن من المسلمات؛ بينما الطرف الآخر يراها وجهة نظر تحتمل النقاش، وهذا الأمر يجعلنا أكثر مرونة مع الآراء المختلفة مهما عارضناها، ويدفعنا إلى احترام حق الآخر في الاختلاف، ويجنبنا خسارة أشخاص لمجرد تعارض وجهات نظرنا معهم.
• المرء منا قائد نفسه، ومصدر سلوكه، نحن أصحاب الأفكار التي تصدر منا، والأهداف التي نتجه نحوها، والمناهج التي نتبعها، محاولة إلقاء تبعات الزلل على الآخر ليس بالشيء الحكيم، والتنصل المستمر من الأخطاء لن يزيدنا إلا خسرانا؛ بينما الوقوف بشجاعة أمام العيوب التي نرتكبها، والاتجاه الحثيث إلى إصلاحها شيء في غاية الأهمية.
إن وعي الواحد منا بهذه القواعد والتعامل الذكي معها من شأنه أن يبلغ بنا مبلغا طيبا في الوصول إلى درجات متقدمة في سلم الذكاء الاجتماعي، نحن لا نأتي إلى الحياة ولدى الآخرين حكم مسبق ضدنا، نحن ـ لا غيرنا ـ من ندفع الناس إلى حبنا والقرب منا أو بغضنا والبعد عنا، عبر سلوكياتنا ومواقفنا وكلماتنا.
وفي النهاية أؤكد -أصدقائي- أننا في حاجة ملحة إلى أن يحنو بعضنا على بعض، وأن نعطي للمشاعر جزءاً كبيراً من اهتماماتنا، وأن نراجع رصيد مشاعرنا أولا بأول، ونهتم بقوائم الأهل والأصدقاء والمعارف.
الرئيس الأمريكي السابق لينكولن نظر يوما إلى من حوله وقال: "إذا لم يتعلق بعضنا ببعض جيدا، فسيتعلق كل منا من رأسه على حدة".
وبدوري أقول إذا لم يهتم كل منا بمن حوله، ويقتل في نفسه نوازع الأنانية والطمع والأثرة، وحب النفس، سنضل الطريق، ونجد أنفسنا حائرين في رحلة الحياة، بلا معارف أو أصدقاء.