موضوع: الشعب المصري وثقافة "إيش فهمك إنت"؟!! السبت يوليو 11, 2009 6:42 am
جرّب أن تجلس في مجموعة مُتابِعة لمباراة كرة قدم في أي مكان، ويا حبذا لو كنت مثلي كارها عتيدا للكرة بأنواعها؛ لذا وقتها لن تجد سوى حل واحد لتسلية الوقت أن تراقب المشاهدين، وصدقني هذا أكثر متعة بكثير، بعيدًا عن عشرات الملاحظات التي ستخرج بها وتصلح كل منها لتسويد موضوع عن سلوكياتنا كمصريين والتي تمارَس بحماس شديد أمام أي مباراة. سأتكلم اليوم عن سلوك واحد من هذه السلوكيات وربما أغراني الأمر بأن أعود لأمور أخرى في وقت آخر، ولكن الذي تلاحظه فورًا هو أن الكل خبراء بشكل غريب، الكل يفهم في اللُعبة أفضل من الحكم واللاعبين والأجهزة الفنية والمدربين، وتسمع هذا ناقما على لاعب ما وهو نصف واقف يلوح بيده وهو غاضب ووجهه أحمر اللون حتى تُجزم بأنه لو تم قياس ضغط دمه في هذه اللحظة لكان مرتفعًا لدرجة غير بشرية، كما تجد اللعاب يتطاير من فمه ليغرق الجالسين حوله والتلفاز وربما اللاعبين داخله!، وهو يسب اللاعب -ولا تتوهم أنه يسب مثلاً لاعب الفريق المنافس؛ إذ لو فعلها لكان سلوكه مفهوما وقتها، ولكنه يسب لاعبا من فريقه وربما لاعبه المفضل أيضًا- متهمًا إياه بكل الصفات، العَجْز والعرج والتخلف العقلي وصفات أخرى قد يعاقِب على ذكرها القانون، وكل هذا لأنه أضاع هدفا أو فوت تمريرة، وتجده يجلس ضاربًا كفًا بكف شارحًا كيف أنه لو فعل اللاعب كذا لكان حدث كذا وكذا، ولكان الفريق الآن قد كسب (55/ صفر)، وقتها أتساءل: ألا يريد هذا اللاعب أن يحقق هذه الأهداف؟ ألا يريد هذا اللاعب أن يكسب ويلعب بمهارة ربما أكثر من كل المتفرجين بما أنه أكثرهم استفادة؟؟ لو كان في مقدوره أن يفعل كذا وكذا ألم يكن ليفعلها دون أي إضاعة للوقت ودون انتظار آراء الخبراء حول الشاشات. ولكني أبقي أسئلتي داخلي ولا أصرح بها، كي لا أتهم بالحمق والتخلف، ثم أكمل متابعتي للمتفرجين، فأجد أن الدور قد جاء على المدرب عند حدوث أول تغيير، فتجد الجميع قد توقّد غضبًا مصرّحًا بغباء المدرب وغفلته وكيف "ينزّل" فلان بدلاً من علان وأن ترتان هو الأفضل وكان سيحقق الفوز المضمون لو نزل ليلعب، وهكذا دواليك على كل قرار من قرارات الحكم التي لا ترضيهم وعلى كل مركز يلعب به اللاعبون وعلى خطة اللعب نفسها، حتى أتساءل: ماذا دعا إدارة النادي أن تحضر هؤلاء الهواة يديرون النادي ويلعبون له؟ لماذا لم تذهب هذه الإدارة إلى أي مقهى وتجمَع مجموعة من الجالسين عليها ليديروا النادي ووقتها لو طبّقوا نصف العبقرية التي تمتعوا بها وهم جالسون في أماكنهم لا يفعلون شيئا على أرض الواقع لكنا الفائزين بكأس العالم غدًا حتى قبل أن تبدأ البطولة.. ثم تلتفت حولك فتجد أن الخبراء في كل مكان، تجلس بين بعض الأصدقاء فتجد أحدهم تألق الذكاء في عينيه وجلس جلسة متأهبة وكأنه ذاهب لتحرير القدس وقال بلهجة الخبراء كيف أن ما فعله العمال والمواطنون في المحلة منذ فترة هو غوغائية، وأن التظاهر يجب أن يكون سلميا، وأنه لو كان في مكانهم لم يكن ليفعل هذه الأفعال الشنعاء، تحاول إفهامه أن هناك ترجيحا كبيرا لفكرة أن من فعل ذلك هم بلطجية لا علاقة لهم بالمحلة ولا بعمالها ولا بأهلها، وأن يتذكر ما حدث عند نقابة الصحفيين في انتخابات الرئاسة السابقة، فيخبرك بكل خبرة وعِلم أن هذه حِجج ساقها المتظاهرون الذين يظنون أن التظاهر سيحل مشاكل البلد ليغطوا على أفعالهم، فتخبره بصبر -فأنت تعلم أنه فقط غبي لا يدرك ذلك؛ لأنه ليس له مصلحة مع الحكومة ولا عضو في الحزب الوطني بل إنه مطحون ربما أكثر منك- بأن عدة مراكز حقوقية أكدت ما حدث و... فيقاطعك ويخبرك بثقة لا حدود لها أن كل هؤلاء تابعون لأمريكا ويقبضون منها.. تحاول الحفاظ على ضغطك وتقول له متجاوزًا كل هذا إنك ستذهب معه لافتراض أن أهالي المحلة ضربوا الأمن رغم كون الكلمة ذاتها لا تدخل العقل، ولكن لنفترض ذلك، فهل أهالي المحلة هؤلاء مجانين خرجوا من منازلهم ومن ورديات مصانعهم وهجموا على الأمن ليضربوه وعلى المدينة ليدمّروها؟؟ أم إنه تم ضربهم أولا واستخدم العنف غير المبرر والقوة المفرطة معهم حتى خرجوا عن طورهم؟! فأي إنسان تجري في عروقه دماء وليس ماء باردا لن يُضرب ويصمت، سيدافع عن نفسه، فتجده ينظر لك ويقلب شفتيه ويخبرك في امتعاض بلهجة الخبير العارف، وماذا استفادوا؟ ما طول عمرنا بننضرب على قفانا وصابرين، عند هذا لا تملك سوى أن تنهض، وحسَب جرأتك وقتها إما أن تتمنى أن تتطاول عليه بالضرب وأنت تضمن أنه سيسكت أليس هو مؤسس فكرة الضرب على القفا والصمت بعدها؟! وإما أن تُحجم خجلاً مثلي. وهكذا دواليك كل مواطن يعرف أفضل من المقاتلين في فلسطين ومن حزب الله في لبنان وكل منهم يتبارى في نقد مواقف المقاومة، وتتمنى وقتها أن تراه فقط يقف في الميدان لنرى رد فعله العبقري وخططه الجبارة التي كثيرًا ما أزعجك بها وهو يجلس في مكيف الهواء، أمامه العصير المثلج وقطعة الدونات "نوع من المعجّنات المحلاة بالمربى". تلتفت للجهة الأخرى فتجد شخصا آخر يجلس ليضع قدما فوق الأخرى وهو يمسك بالجريدة ليخبرك كيف أن أوباما هذا سيأتي لنا بكل حقوقنا المسلوبة، تحاول أن تُفهمه ببساطة أن الأمور ليست هكذا، يسألك من طرف أنفه وهو يتأفف من مدى جهلك، ألم تسمع خطابه في جامعة القاهرة، وتسمع للآيات القرآنية التي قالها؟؟ تخبره أن كل هذا مجرد كلام، وتحكي له عن خطبته العصماء أمام لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) أثناء حملته الانتخابية، وعن أنه أكد على حقوق إسرائيل بل ووعد أن تكون القدس كاملة عاصمة إسرائيل، وأنه قال هناك عكس كل ما قاله هنا، تجد ضغط الرجل قد ارتفع من مدى تغفيلك وعدم فهمك العميق للسياسة مثله، ويقول لك: "كان بيضحك عليهم أيام الانتخابات علشان ينتخبوه"!! تكتشف أنك أنت من ارتفع ضغط دمك، وبحاجة لزيارة الطبيب لإنقاذك، وعندما تغادره -أي الطبيب- في طريقك لشراء الدواء ستقابل خبيرا آخر ينظر في وصفة الطبيب ويخبرك أنها لا تصلح، وأن عليك بالنعناع المغلي وعليه حبتان مستكة وأخرى حبهان، وأن هذه الأدوية ما هي سوى سموم يضحك علينا الأطباء بها ليستفيدوا هم ماديًا.. وأنك فقط الأحمق الوحيد الذي لم يكتشف هذه الحقيقة.. فجأة تكتشف أن مصر كلها خبراء في كل شيء، الرياضة، السياسة، الفن، الأدب، القتال، والدين، والطب، نحن خبراء في كل شيء، لدينا 76 مليون خبير في كل فنون الحياة، لذا تجد ذاتك تتساءل بتعجب: لماذا إذن لم نتقدم حتى اليوم؟!!