تفسير آية إِنَّ الله وملائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبِيّ يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلَيماً وما يناسبها من الأقوال. <للشيخ اسماعيل النبهاني>
قال العلامة شمس الدين الخطيب (يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي) أي محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس أراد الحق سبحانه أن الله تعالى يرحم النبي والملائكة يدعون له والصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار وقال أبو العالية صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء (يَا أّيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) أي ادعوا له بالرحمة (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أي حيوه بتحية الإسلام وأظهروا شرفه بكل ما تصل قدرتكم إليه من حسن متابعته وكثرة الثناء الحسن عليه والانقياد لأمره في كل ما يأْمر به والسلام عليه بألسنتكم وذكر في السلام المصدر للتأكيد ولم يذكره في الصلاة لأنها كانت مؤكدة بقوله تعالى إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي وأقل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم اللهم صل على محمد وأكملها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وآل إبراهيم إسمعيل واسحق وأولادهما ا.هـ. ملخصاً وقال الإمام البيضاوي (إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي) يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) اعتنوا أنتم أيضاً فإنكم أولى بذلك وقولوا اللهم صل على محمد (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) قولوا السلام عليك أيها النبي وقيل وانقادوا لأوامره والآية تدل على وجوب الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم في الجملة وقيل تجب الصلاة كلما جرى ذكره وقال الشيخ رحمه الله قال الحافظ السخاوي قال ابن عبد البر أَجمع العلماء على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مؤمن بقوله تعالى يا أَيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً وقال الإمام القرطبي لا خلاف في وجوبها في العمر مرة وأَنها واجبة في كل حين وجوب السنن المؤكدة وسبقه ابن عطية في ذلك فقال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حال واجبة وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه وعند الإمام الشافعي رضي الله عنه واجبة في الصلاة في التشهد الأخير وبقوله قال بعض أصحاب الإمام مالك رضي الله عنه وقال بعضهم بوجوب الإكثار منها من غير تحديد وقال الإمام الطحاوي تجب كلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من غيره أو ذكره بنفسه وقال الإمام الحليمي في كتاب شعب الإيمان أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم من شعب الإيمان فتعظيمه منزلة فوق المحبة فحق علينا أن نحبه ونجلّه ونعظمه أكثر وأَوفر من إجلال كل عبد سيده وكل ولد والده وبمثل هذا نطق الكتاب ووردت أوامر الله تعالى ا.هـ. ملخصاً. وفي الدر المنثور للحافظ السيوطي قال لما نزلت هذه الآية جعل الناس يهنونه صلى الله عليه وسلم وفي كثير من التفاسير وكتب الحديث عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى أنه لقيه كعب ابن عجرة فقال أهدى إليك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت بلى فأَهدها لي قال لما نزلت أن الله وملائكته يصلون على النبي الآية قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ورويت بزيادة ونقص.
(فائدة) نقل العلامة القسطلاني في شرحه على البخاري وكتابه المواهب اللدنية عن العارف الرباني أبي محمد المرجاني أنه قال وسر قوله صلى الله عليه وسلم كما صليت على إبراهيم وكما باركت على إبراهيم ولم يقل كما صليت على موسى لأن موسى عليه الصلاة والسلام كان التجلي له بالجمال لأن المحبة والخلة من آثار التجلي بالجمال ولهذا أمرهم صلى الله عليه وسلم أَن يصلوا عليه كما صلى على إبراهيم ليسألوا له التجلي بالجمال وهذا لا يقتضي التسوية فيما بينه وبين الخليل صلوات الله وسلامه عليهما لأنه إنما أمرهم أن يسألوا له التجلي بالوصف الذي تجلى به للخليل عليه الصلاة والسلام والذي يقتضيه الحديث المشاركة في الوصف الذي هو التجلي بالجمال ولا يقتضي التسوية في المقامين ولا في الرتبتين فإن الحق سبحانه يتجلى بالجمال لشخصين بحسب مقاميهما وإن اشتركا في وصف التجلي بالجمال فيتجلى لكل واحد\ منهما بحسب مقامه عنده ورتبته منه ومكانته فيتجلى للخليل عليه الصلاة والسلام بالجمال بحسب مقامه ويتجلى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالجمال على حسب مقامه فعلى هذا يفهم الحديث ا.هـ. يعني ومقام سيدنا محمد أرفع من مقام سيدنا إبراهيم فتكون الصلاة المطلوبة له من الله تعالى أعلى وأرفع من الصلاة على سيدنا إبراهيم وهذا يؤيد ما قاله الإمام النووي من أن أحسن الأجوبة عن أشكال تشبيه الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالصلاة على سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع كونه أفضل منه ما نسب إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه من أن التشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة وقال العلامة أحمد بن حجر المكي في كتابه الجوهر المنظّم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرَّم سبب إيثار سيدنا إبراهيم الخليل وآله المؤمنين أن الله تعالى لم يجمع بين البركة والرحمة إلا لهم بقوله في سورة هود رَحْمَةُ الله وبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُم أَهْلَ البَيْتِ إنَّهُ حَميدٌ مَجِيدٌ وأنه أفضل الأنبياء بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ا.هـ. وقال الحافظ السخاوي أن المقصود من هذه الآية أن الله تعالى أخبر عباده بمنزلة نبيه صلى الله عليه وسلم عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة يصلون عليه ثم أمر أهل العالم السفلي بالصلاة عليه والتسليم ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً.
(فائدة مهمة) قال العلامة أحمد بن المبارك في كتاب الإبريز الذي تلقاه من شيخه غوث الزمان وبحر العرفان سيدنا عبد العزيز الدباغ في الباب الحادي عشر وسمعته رضي الله عنه يقول في قولهم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مقبولة قطعاً من كل أحد\ فقال رضي الله عنه لا شك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأعمال وهي ذكر الملائكة الذين هم على أطراف الجنة ومن بركة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كلما ذكروها زادت الجنة في الاتساع فهم لا يفترون عن ذكره والجنة لا تفتر عن الاتساع فهم يجرون والجنة تجري خلفهم ولا تقف الجنة عن الاتساع حتى ينتقل الملائكة المذكورون إلى التسبيح ولا ينتقلون إليه حتى يتجلى الحق سبحانه لأهل الجنة بالجنة فإذا تجلى لهم وشاهده الملائكة المذكورون أخذوا في التسبيح فإذا أخذوا فيه وقفت الجنة واستقرت المنازل بأهلها ولو كانوا عندما خلقوا أخذوا في التسبيح لم تزد الجنة شيئاً فهذا من بركة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن القبول لا يقطع به إلا للذات الطاهرة والقلب الطاهر لأنها إذا خرجت من الذات الطاهرة خرجت سالمة من جميع العلل مثل الرياء والعجب والعلل كثيرة جداً ولا يكون شيء منها في الذات الطاهرة والقلب الطاهر وهذا معنى ما في الأحاديث الآخر من قال لا إله إلا الله دخل الجنة يعني به إذا كانت ذاته طاهرة وقلبه طاهراً فإن قائلها حينئذٍ يقولها الله تعالى مخلصاً قال ابن المبارك وسألته رضي الله عنه لمَ كانت الجنة تزيد بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دون التسبيح وغيره من الأذكار فقال رضي الله عنه لأنم الجنة أصلها من نور النبي صلى الله عليه وسلم فهي تحن إليه حنين الولد إلى أبيه وإذا سمعت بذكره انتعشت وطارت إليه لأنها تسقى منه صلى الله عليه وسلم والملائكة الذين في أطراف الجنة وأبوابها يشتغلون بذكر النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فتحن الجنة إلى ذلك وتذهب نحوه من في جميع نواحيها فتتسع من جميع الجهات قال رضي الله عنه ولولا إرادة الله ومنعه لخرجت إلى الدنيا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وتذهب معه حيث ذهب وتبيت معه حيث بات إلا أن الله تعالى منعها من الخروج إليه صلى الله عليه وسلم ليحصل الإيمان به صلى الله عليه وسلم على طريق الغيب قال رضي الله عنه وإذا دخل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة وأمته فرحت بهم الجنة واتسعت لهم وحصل لها من السرور والحبور