يصحو وزير خارجيتنا من النوم مبكراً.. يذهب الوزير إلى مكتبه قبل أن يصل الموظفون والسعاة، ويبدأ العمل قبل أن يستيقظ معظم سكان العاصمة، ويمتد يومه آناء الليل وأطراف النهار، يقول الذين يعرفونه إنه رجل لا يهدأ ولا ينام.
ولكن الوزير أبوالغيط لا يفعل شيئاً آخر غير تلك اليقظة المبكرة، وإذا ما قرر أن يفعل فكل ما يفعله خطأ، بعض وزرائنا يخطئون بعض الوقت، ولكن الوزير أبوالغيط يخطئ طول الوقت. أخطأ الوزير فى كل الملفات تقريباً، فى العراق ولبنان وسوريا، كما أخطأ طيلة الخريطة الممتدة من إيران إلى السودان.. وها هو يرتكب كل الأخطاء مجتمعة فى حرب غزة.
يقول البعض إن الوزير ليس إلا رجلاً منفذاً، وإن دور الدبلوماسية ليس إلا تنفيذ السياسة الخارجية لا صنعها.. وأن أداء الخارجية المصرية هو بالضرورة امتداد لضعف الأوضاع الداخلية للبلاد.
وهذا قول يحمل من الخطأ أكثر مما يحمل من الصواب، ذلك أن الدول القوية لا تحتاج إلى وزارة خارجية، وأن دور الخارجية يكون أكثر إلحاحاً فى حال الضعف لا فى حال القوة، وتكمن الكفاءة الحقيقية للجهاز الدبلوماسى فى حالات الانكسار والانكماش لا حالات التوسع والانتصار. إن دور الدبلوماسية بالضبط هو إضفاء قوة غير حقيقية على وضعية الدولة، أى أن يكون أداء الدبلوماسية أسبق وأكبر وأوسع من الحجم الحقيقى لقوة الدولة.
ومن المؤسف أن الوضع فى مصر يختلف تماماً، ذلك أن الخارجية المصرية أضعف من الداخل المصرى، وأن أداء الدبلوماسية المصرية يأخذ مكانة وسمعة مصر إلى الأسفل. أصبحت الدبلوماسية المصرية فى عهد الوزير أبوالغيط نموذجاً مثالياً لكيفية إنقاص الوزن وإضعاف الهيبة.
وفى عهد الوزير أبوالغيط تحملت مصر أخطاء، هى للوزير وليست للدولة، واكتسبت أدواراً مرتبكة وعاجزة، هى قدرات الوزير، لا قدرات بلادنا.
ظهر وزير خارجيتنا بشوشاً حميماً ضاحكاً مع الوزيرة الإسرائيلية ليفنى قبل الكارثة بساعات، كأننا اتفقنا على ما جرى، وبدأ وزيرنا يتحدث عن ضبط الحدود مع غزة، كأن ذلك كل ما يعنينا، ثم نقلت عنه الصحف قوله إنه حذر مما جرى، وقد أعذر من أنذر.. وكأن جيشنا لا جيش العدو الإسرائيلى هو من قام بهذه الهولوكوست اللعينة.
< ليت وزير خارجيتنا يستيقظ مبكراً ثم يلتزم الصمت حتى ينام.. لو صمت الوزير لاكتسبت مصر فضيلة الوقار.. وذلك أفضل جداً.