النار تأكل بعضها ما لم تجد ما تأكله.. احذروا فالنيران آتية هكذا أصبحنا لا نرى على صفحات فيس بوك إلا الشجار والاتهامات
27 مايو جمعة الغضب الثانية..
أعلنتها
المجاميع الثورية من كل الاتجاهات.. لكن لماذا هي جمعة الغضب؟ وعلى من
ستصبّ غضبها؟ لا ندري.. قالوا أسبابا معقولة، وأخرى تخرج عن الإجماع جعلت
كثيرين يُحجمون.
أعلن الإخوان المسلمون عن إحجامهم عن النزول هذه
الجمعة، لماذا أيضا؟ لا ندري، أعطوا مبررات منطقية، ولكنهم خوّنوا وأهانوا
بصورة غير مقبولة، رغم نزول أفراد من الجماعة كانوا بصفة شخصية خاصة
الشباب..
والحقيقة أننا لن نركّز على ما سبق بل على ما سيأتي؛ فبعد
انتهاء الجمعة وذهاب من ذهب وبقاء من بقي، بدأ الهجوم الذي لا مبرر له من
الإخوان المسلمين على كل من حضر جمعة الغضب، بل كان الهجوم في موقع الإخوان
-مع الأسف- منذ بداية اليوم وقبلها أيضًا، بوصفهم بأنهم "علمانيون" أو
"كفرة"، ثم أطلقوا على الجمعة جمعة الوقيعة، واعتبروها خطرا على مصر، مع
محاولة التقليل من شأن كل من حضر، بقولهم أن عددهم كان قليلا بشدّة..
أما
النخب التي حضرت الجمعة فردّت التحية بأحسن منها! فشمتوا الإخوان وتناسوا
المتطلبات، وكان أهم هتافاتهم "الإخوان فين؟ الشعب المصري أهو" ثم خصّصوا
مقالات وملاحظات و... و... ليؤكدوا أنهم ليسوا في حاجة للإخوان، وأنهم حشد
كافٍ، وأخذوا في السبّ واللعن لكل ما هو إخواني..
هكذا أصبحت لا ترى
على صفحات فيس بوك إلا الشجار والاتهامات، التي لا أريد أن أكررها كاملة،
فأنا ليست لي أي مصلحة حتى أزيد إثارة النفوس؛ فالفتنة نائمة ملعون من
أيقظها.. ولم أقل سوى ما انتشر لدرجة لا يمكن حجبه معها.
كما أنني
لا أنتمي إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ولا إلى أي فرقة من الفرق، وكل ما
يهمّني هو مصلحة هذا الوطن، وحزني عليه لو استمر الأمر على هذا الوضع، وذلك
الشعب المسكين الذي لا تقع المصائب إلا على رأسه، وإنا لله وإنا إليه
راجعون..
لقد نسينا في هذه الزحمة القضية الأصلية، وأصبحنا مثل
مجموعة من الأطفال اجتمعوا على لعبة رائعة مارسوها حتى ملّوا، ثم دبّ
الشجار بينهم، وأصبحوا فريقين لا همّ لهم إلا إظهار الفريق الآخر بأنه على
خطأ، ونسوا اللعبة الرائعة التي جاءوا أصلا من أجلها، وكل فريق في داخله
يقول للآخر في شيء من التشفي بيت الشعر الذي يقول: "اصبر على كيد الحسود
فإن صبرك قاتله"..
وأنا أردّ عليهم بالبيت التالي الذي يقول: "النار
تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله"، ففي النهاية إذا استمر الأمر على هذا،
فسوف ننسى ثورتنا، وما من أجله فعلناها، وإنه بعد الثورة جاء دور آخر
نسيناه أو نتناساه لا أعرف..
وهو الدور الذي لن أكرر وأقول ما قيل عنه مئات المرات، ألا وهو التعمير.. ولكن أقول علينا حتى أن نبدأ بمحاولة الترميم لما فسد..
هل
يعلم كل هؤلاء الذين نسوا أصل القضية وتوابعها، وكرّسوا همهم في الخلافات
على أشياء تافه، سوف تودي بهذا البلد إلى ما لا يحمد عقباه، حتى إن المجلس
العسكري بدأ ينوّه عن هذا علنا.. هل يعلم هؤلاء؟؟
إن الكثير من
الملاجئ التي كان يموّلها بعض المواطنين أصبحوا لا يستطيعون أن يوفّروا لها
ما كانوا يرسلونه، حتى تدار هذه الملاجئ كما ينبغي، حتى إن الأطفال لا
يجدون ما يأكلونه، والرضّع لا يجدون الحليب، حتى يستطيع المسئولون عن
الملجأ إرضاع الصغار اليتامى..
هل هذا يُرضي جماعة الإخوان
المسلمين أو يرضي الائتلاف أو الليبراليين أو اليساريين أو ... أو... هل
هذا هو ما نزلنا التحرير من أجله؟
هل يعلم هؤلاء أن الأمر وصل إلى
أن مجموعة من الأسر، يشترون واحدة من الكرنب، ويقطعونها فيما بينهم، وكل
أسرة تقطع الجزء الذي أخذته، إلى قطع صغيرة، ليضعوها على الأرز، حتى يأكلوا
وجبة من الكرنب؛ لتشبعهم لأنهم لا يستطيعون شراء كرنبة كاملة؟؟
هل يعلم هؤلاء أنني رأيت بأم عيني من يبحث في القمامة ليجد "بصلة"؛ ليقوم بتنظيفها ووضعها في جيب سرواله، حتى يأكلها فيما بعد؟؟
هل اكتفيتم بهذه الأمثلة حتى يفيض الدمع من عيونكم، وتدركوا إلى أي مدى سوف يصل بنا الأمر، إذا لم ننتبه ونوقف هذه الخلافات؟؟
لا
أقول إن الثورة هي من فعل ذلك فهي سيئة -حاشا لله- أن أقول أمرا كهذا، بل
أقول إن هذه من الضروريات التي حدثت بعد الثورة وثمن يجب دفعه، ولكن يجب
علينا ألا نضيع هذه التضحيات هباء، وألا نزيد من مأساة هؤلاء بغير داعٍ،
فإن كانوا قد تحمّلوا لأجل الثورة، فلا يجب أبداً أن يعانوا من أجل
الخلاف..
لقد ضاعت الأهداف التي نزل لأجلها ثوار 27 مايو، والتي كان
ينادي بها الإخوان، فلا أحد اليوم يتكلم عن سرعة المحاكمات ولا المصابين
ولا الأمن الوطني ولا المحليات، ولا غيرها من المتطلبات، بل فقط كلّ منا
يغيظ الآخر بأنه الأفضل..
لذا رجاء انتبهوا حتى لا يتشرد مثل هؤلاء
الأطفال اليتامى الذين في الملاجئ، أو تلك الأسر التي كانت تحت حد الفقر،
قبل 25 يناير، ومع الأسف بسوء تصرّفاتنا وأفعالنا تلك سوف نصل بها إلى
الهلاك..
هل نريد أن نكرر تلك الحكمة القديمة، التي على ما أعتقد
لا يوجد أحد منا لا يعرفها، والتي تعبّر عن أن في الاتحاد قوة، وأن في
الفرقة ضعفا وذلة، أتمنى أن نعيد جميعا تلك الحدوتة التي حكاها لنا آباؤنا
وأجدادنا في رؤوسنا، وندرك معناها تماما مع بساطتها فالعود يمكن كسرة
وحيداً ولا يمكن قهره وهو في عصبة..
فتوحدوا يرحمكم الله..