د. محمد المهدي يكتب: إن كنتِ امرأة فأنتِ عُرضة للاكتئاب!! د.محمد المهدي -رئيس قسم الطب النفسي – كلية طب دمياط - جامعة الأزهر
قد يظهر الاكتئاب في صورة شكاوى جسدية
هناك اتفاق بين الأبحاث التي أُجريت، على أن معدل الاكتئاب في المرأة
ضِعف معدله في الرجل، وكان هناك اعتقاد في الماضي بأن هذه النتائج ربما
تكون خادعة؛ حيث إن المرأة أكثر تعبيراً عن حالتها الوجدانية من الرجل،
وأكثر قبولاً للمساعدة الطبية النفسية؛ ولذلك يظهر اكتئابها؛ في حين لا
يظهر بسهولة اكتئاب الرجل؛ ولكن الأبحاث المنضبطة أثبتت أن هناك زيادة
حقيقية في معدل الاكتئاب لدى المرأة لا تقبل الشك.
وإذا سألنا أنفسنا: لماذا؟ فالجواب ربما يكمن في الأسباب التالية:
1- التكوين العاطفي للمرأة:
ليس هناك شك أن المرأة بفطرتها ذات مشاعر حية وجياشة، وقد خلقها الله
تعالى هكذا لتواكب وظيفتها كزوجة، ووظيفتها كأم، ودون هذا التواصل الوجداني
تضطرب الأسرة وتتفكك عراها.
2- خبرات التعلق والفقد:
المرأة دائماً متعلقة بغيرها؛ فهي تتعلق بشدة بأهلها، ثم بعد ذلك بزوجها
وأبنائها. وهي تندمج بقوة في هذه العلاقات أكثر من الرجل، وتصبح جزءاً
هاماً من حياتها، وبالتالي حين تفقد أياً من هذه العلاقات؛ فإنها تصاب
بالحزن والأسى، وربما تصل لدرجة الاكتئاب.
3- التغيرات البيولوجية المتلاحقة:
فمع بدأ أول دورة شهرية في بدايات العقد الثاني من العمر، والمرأة تمرّ
بتغيرات هرمونية تتغير معها كيمياء الجسد والمخ، ويزداد هذا الوضع مع الحمل
والولادة. وبعد انقطاع الدورة تعاني المرأة آثار انخفاض مستوى هرمون
الاستروجين في الدم.. كل هذه التقلبات البيولوجية لا تدع للمرأة فرصة
لالتقاط أنفاسها، وتشكل نوعاً من الضغط عليها إذا زاد عن حدود معينة؛ فإنه
يهيؤها للإصابة بالاكتئاب.
4- العمل المستمر بلا راحة:
الوظائف التي تقوم بها المرأة لا تعرف الإجازات، وهكذا بلا توقف. كما أنها
أكثر إحاطة بتفاصيل الأشياء في المنزل والتفاصيل الخاصة بأبنائها من
الرجل.
والمرأة معرّضة بسبب ما ذكرنا للإصابة بالأنواع العامة للاكتئاب، ومنها:
- الاكتئاب الجسيم Major Depression
- اضطراب اعتلال المزاج Dysthymic Disorder
- اكتئاب ما قبل الدورة Premenstrual Dysphoric Disorder
- اكتئاب بعد الولادة Postpartum Depression
- اكتئاب الحمل Depression During Pregnancy
- اكتئاب ما بعد الدورة الشهرية Postmenopausal Depression
5- أسباب طبية:
- أسباب تتعلق بالطبيب:
نقص
معرفة كثير من الأطباء بموضوع الاضطرابات النفسية عموماً والاكتئاب بوجه
خاص، يؤدي إلى حدوث عملية خلط لديهم بمظاهر الحزن العادية المألوفة لدى
النساء.
ومما يزيد الأمر صعوبة أن الاكتئاب لدى نسبة غير قليلة من
النساء ربما ؛ ولكن يظهر في صورة شكاوى جسدية مثل الصداع المستمر وآلام
الجسد، واضطرابات في وظائف الجهاز الدوري، أو الجهاز التنفسي، أو الجهاز
الهضمي، أو الجهاز البولي والتناسلي، وهذا يجعل الأمر يتداخل مع اضطرابات
عضوية أخرى وتتوه المريضة بين التخصصات الطبية المختلفة؛ مع أنها في الأصل
حالة اكتئاب نفسي؛ ولكنه متخفٍّ Masked Depression في صورة أعراض جسمانية.
يضاف
إلى ذلك ضيق الوقت الذي لا يسمح للطبيب برؤية المريضة وسماعها بشكل كاف؛
مما يؤدي إلى التسرع في إعطاء تشخيصات سريعة لا تحيط بحقيقة الاضطراب.
- أسباب متعلقة بالمريضة:
هناك
صعوبة لدى المرأة -في المجتمعات النامية- في التصريح بأنها تعاني اضطراباً
نفسياً؛ لأن هذا يحمل وصمة اجتماعية؛ نظراً لاقتران المرض النفسي بالجنون
لدى عامة الناس، واقترانه أيضاً بضعف الإيمان وعدم الصبر.
لذلك حين
لا توجد فرصة للتعبير عن الاضطرابات الوجدانية بشكل مباشر وصريح؛ فإن
الجهاز النفسي للمرأة يحوّل جزءاً كبيراً من الاكتئاب إلى أعراض جسمانية؛
حيث تحظى هذه الاضطرابات الجسمانية بالقبول من الناس وتحظى بالرعاية من
الأطباء، ولها مصداقية تفوق كثيراً مصداقية الاضطرابات النفسية.
ولهذه
الأسباب؛ فإن 20% فقط من النساء المصابات بالاكتئاب ينلن حظهن من العلاج
الدوائي أو النفسي أو كليهما معاً؛ ولكن مع الأسف الشديد -وبسبب ظروف طبية
واجتماعية ومادية- فإن هذه الفئة التي تم تشخيصها وإخضاعها للعلاج؛ إما
أنها لا تأخذ علاجاً كافياً؛ فتتحول الحالة إلى اكتئاب مزمن Chronic
Depression أو تأخذ علاجاً غير مناسب من الأساس.
التعب وفقدان الطاقة أحد أعراض الاصابة بالاكتئاب
كيف يتم تشخيص الاكتئاب:
يتم تشخيص الحالة إذا توافرت 5 أعراض أو أكثر من الأعراض التالية:
- مزاج اكتئابي معظم الوقت.
- انخفاض كبير في الاهتمامات، أو الإحساس بالمتعة في ممارسة الأنشطة المختلفة.
- انخفاض واضح في الوزن، وفي بعض الحالات تكون هناك زيادة في الوزن.
- أرَق في النوم، أو زيادة في النوم.
هياج حركي، مع الإحساس بعدم الاستقرار، أو خمول حركي مع الإحساس ببطء الإيقاع.
- التعب وفقدان الطاقة.
- الإحساس بعدم القيمة، ولوم النفس والإحساس بالذنب.
- ضعف القدرة على التفكير، وضعف التركيز، والتردد، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات.
- التفكير في الموت إما بتمني الموت، أو التفكير في الانتحار، أو التخطيط له، أو محاولة الانتحار.
واتباع
قواعد التشخيص بشكل علمي يعطي فرصة لالتقاط حالات الاكتئاب وعلاجها، ويعطي
فرصة للتفريق بين الاكتئاب كمرض والحزن كعرض؛ فنحن كبشر يمكن أن نحزن
ونتأثر وجدانياً، ونفقد اهتماماتنا وحماسنا لبعض الوقت، وتتأثر الشهية
للطعام لدينا، ونعاني بعض الأرق، ونشعر بتفاهة أنفسنا أو تفاهة الحياة؛
ولكن هذا لا يصل إلى درجة المرض الذي يحتاج للتدخل العلاجي الطبي.
كيف يتم علاج الاكتئاب:
يتم العلاج على مستويات مختلفة كالتالي:
- العلاج الدوائي بواسطة مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات، أو رباعية الحلقات، أو مثبطات امتصاص السيروتونين، أو الليثيوم.
- العلاج الكهربي بواسطة تنظيم إيقاع المخ؛ وذلك للحالات الشديدة.
- العلاج الضوئي؛ وذلك في حالات اكتئاب الشتاء الموسمي..
- العلاج النفسي الفردي أو الجماعي.
- العلاج العائلي.
- العلاج الروحي.
ويستحسن
أن يكون العلاج متكاملاً وشاملاً لجميع المستويات البيولوجية والنفسية
والاجتماعية والروحية؛ لكي يكون الشفاء كاملاً وممتداً.
وإلى هنا تنتهي حلقاتنا على أمل أن نلقاكم في حلقات قادمة