حلّ الأزمة الطائفية في القانون وحده! من هؤلاء الذين يعيثون في مكتسبات الثورة فساداً، ويريدون لنور مصر أن ينطفئ؟
يبدو أن الكلام المعسول الذي نسمعه في الفضائيات، من كِبار المشايخ، ومن
كِبار القساوسة لا يفيد، والشعارات الرنانة "المسلم والمسيحي إيد واحدة"،
أصبحت مع الأسف "مخوخّة"، وفقدت الجوهر الحقيقي لها؛ حيث البلد والكيان
الذي يتجاور به الجميع.
الكلام المعسول حقيقي تماماً، لكنه ليس كذلك عند المتطرفين، من جانب
متطرفي السلفيين، ومن جانب متطرّفي الأقباط. هؤلاء بصدق لا يحبون مصر ولا
يريدون لها الخير من قريب أو بعيد.. وعليك بالعودة قليلاً بالزمن لمائة
يوم، عند اندلاع الثورة التي حلم بها الصغير قبل الكبير. السلفيون يقولون:
هذا خروج على الحاكم، لا يصح أن نقوم به، الإصلاحات يمكن أن نصل إليها لكن
دون خلع الرئيس. ومؤخراً حضرت مؤتمرا سلفيا لم يُذكر به لفظة الثورة مرة
واحدة، وكأن ثمة استكبارا بالاعتراف بأن حسبتهم كانت خاطئة. والأقباط أيضا،
وتصريحات البابا شنودة، التي طالب فيها المسيحيين بالمكوث في منازلهم،
وعدم الخروج إلى الشوارع؛ من أجل حفظ الأمن والاستقرار. هذا لا يشمل كل
الأقباط، ولا يعمّ جميع السلفيين.. ففي ميدان التحرير كان السلفي الحقيقي
مُتجلّيا في أبهى حلّة، والقبطي كان مزدانا بحبه الحقيقي لبلده..
فمن هؤلاء الذين يعيثون في مكتسبات الثورة فساداً، ويريدون لنور مصر أن ينطفئ؟إنهم أولئك المتطرفون من الشيعتين، ولا نحلم بأن نصل إليهم إعلامياً أو
عبر حوار، فعقولهم في غياهب الظلمات. والطريق الوحيد لتكميم أفواههم هو
القانون، وليس إلا القانون.
هؤلاء الذين يقولون إن فتاة تُدعى عبير مُحتجزة تصرخ وتعوي طالبة النجدة
من المسلمين.. فلنفترض حسن النية، وهذا صعب أيضا، فإن استطاعت الاتصال
فلماذا تتصل بفرد سلفي؟ وكيف عرفته؟ ثم إن كان الاتصال خياراً متاحاً فلِمَ
لم تتصّل بالشرطة؟ لكن لننحِّ هذه الأسئلة جانباً ونفترض صحتها.. الشرطة
والقوات المسلحة تعرف اسم الدير.. لماذا تذهب إليه.. تفتشه.. إن ثبتت صحة
الاستغاثة يُعاقب من يستحق العقاب، وإن ثبت كذب الادّعاء فالمدعّي يحاكم
عسكرياً لإشاعته الفتنة. وكذا الأمر إن قال أحد الأقباط إن هناك قبطيا
محتجزا بأحد المساجد مثلاً، يتم التحرّك وتفتيش المسجد.. فنحن الآن في حالة
نرغب بها في درء أي فتنة تطفو على السطح. وإن سمعنا أيضا عن الكنيسة
الفلانية التي تخبئ أسلحة وأسود وما إلى ذلك.. تذهب السلطات، وتفتّش..
وتخرج علينا ببيان يبرّئ تلك الكنيسة أو يدينها؛ لتخرس الألسنة تماماً،
وتمنع أي تفكير في أي هجوم أحمق.
الظهور، ومواجهة الموقف خير من التورية ونشر القيل والقال.. فدعنا
نتصوّر لو أن الكنيسة قامت بإخراج كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين عندما خرجت
الأصوات تطالب بذلك، وعرضتهما على النيابة أو المجلس العسكري.. بالله عليكم
هل كان سيجرؤ صوت حتى على الحديث؟ وقد يقول قائل إن الكنيسة ليست ملزمة
بصنع ذلك، وفي ذلك بعض الصحة.. لكننا الآن في وقت عصيب، والرؤية ضبابية..
ويبدو أن البعض لديه استعداد وتحفّز للعبث بهذا الوطن، ونسيان أن هناك ثورة
يجب حمايتها.. ولاحظ هؤلاء الذين ذهبوا للاعتصام أمام السفارة الأمريكية
عقب اندلاع الأحداث في إمبابة، مطالبين الولايات المتحدة بالتدخّل لحماية
الأقليات القبطية في مصر، في خطوة أقل ما توصف به بأنها صفاقة، وقد سمعت
أصواتا قبطية محترمة تشجب ذلك بشدّة، وهذا رد فعل متوقع من قبطي يعشق تراب
هذا البلد الذي ترعرع على أرضه، وسيظل ركناً مهماً في كيانه، أما المؤسف
فكان من أقباط المهجر الجالسين في الغرف المكيفّة يحتسون النسكافيه،
وينددون بما يحدث من اضطهاد للأقباط في مصر.. أين أنتم يا سادة من وطنكم؟
ولماذا ظللتم مهاجرين حتى اللحظة؟ ورجاءً اصمتوا قليلاً؛ فالأمر بين أقباط
مصر ومسلميها.. وليس لمهاجر -هاجر من بلده ولم يغترب- دور فيها.
القانون هو الحل! نعم عندما تضرب بيد من حديد على كل من يدعّي، وتعاقب
كل مساهم في إشعال الفتنة ولو كان شيخاً شهيراً عبر مقطع يوتيوب، سنجد أن
البلد قد هدأت، عندما نشعر أن هناك من يحكمها بالقانون، الذي هو بصورة أو
بأخرى العدل الساعي إليه الجميع.
وهمسة أخيرة -بحسن نيّة- في أذن إخواننا السلفيين، أليست الحدود
وأمر البلاد موكلة إلى ولي الأمر؟ فلماذا لا تتركونها إليهم؟! سؤال لا
أنتظر له جواباً.