مصر تحترق!! إن الكراهية أيّها السادة كفر بنعمة الحب
إن د. عصام شرف قالها بوضوح: " مصر في خطر".
وقال
للإعلاميين ارحموا مصرَ مما تكتبون، الاقتصاد ينهار، وأصحاب رؤوس الأموال
يرفضون الاستثمار في مصر، ويقولون: "رجل الأعمال في مصر يعني حرامي في نظر
الإعلام".
لقد واجههم الرجل بكارثة ما يكتبون، وأثر ذلك على مصر
التي تفقد كل يوم ملايين الدولارات.. فلم يعبأ بكلامه أحد، ولم يلتفت إليه
أحد من هؤلاء الإعلاميين الكذّابين الذين يدّعون أنهم يبحثون عن مصلحة
الوطن، وهم في الحقيقة يعتبرون أنفسهم القادة الإعلاميين للثورة، ويبحثون
بين ذلك لأنفسهم عن مجد زائف.
نعم مصر الآن تحترق، ونحن الذين
أخذناها من يدها الطيبة الطاهرة بعد أن غسلتها الثورة من أدران الفساد، ثم
ألقينا بها في جحيم من الأحقاد.. قلتها وسأظلّ أقولها، إن موجة التشفّي
والأحقاد والرغبة العارمة في الثأر أعمّت عيون فئة مؤثّرة من شباب الثورة،
والمنتفعين حولهم، والمتنطعين، والأفّاقين، ولاعبي السيرك السياسي، عن
وطنهم، وعن مسئولياتهم، وعن اقتصاد بلدهم، وعن الحب الذي جمعهم، ولم يبقَ
إلا الكراهية التي تفشّت في طول البلاد وعرضها.
قوم يدَّعون أنهم
سلفيون يكرهون الشرك، كما يقولون، فيهدمون أضرحة الأولياء، ثم يلتفتون
ليحرقوا الكنائس.. وهكذا أشعلوا النيران باسم الكراهية المقدّسة.
فريق
من شباب ثائر وشيوخ نظروا لمصالحهم الضيّقة، وأخذتهم الحماسة والحمية، لا
يعرفون التوقّف، يُطالبون ليل نهار بمحاكمة الفاسدين والتنكيل بهم جزاء ما
فعلوا، يدفعهم الحديث عن دماء الشهداء وحق الوطن، وإذا نظرت إليهم وجدتهم
متذرعين بالحقد المقدّس.
إعلام ضلّل الناس أيام الفساد، فلمّا سقط
الفساد ورؤوسه عمّقوا معناه في قلوب الشعب الطيب، فعالجوا الفساد بالإفساد،
وإذا قلت: نفي، أو عفو، أو حتى اتفاق سياسي... واجهوك بأبشع التهم، ونكلوا
بك وبقيمة قولك، ودافعوا عن الثار باسم الحقد المقدس!!
إعلام ركب
موجة الغضب؛ وحوّلها إلى أحقاد ورغبة لا تنتهي في التنكيل بأعداء الوطن
القدامى، حتى صاروا هم ألد أعداء الوطن، بعدد غير قليل من برامج التوك شو
التي أعتبرها أوّل من أشعل نيران الحقد والكراهية.
ثم فئة اتخذوا من
ميدان التحرير موقعا للتجارة، فحوّلوه إلى ميدان موسكي جديد، وكما أن في
ميدان الموسكي القديم يتاجرون في الأحذية والشنط، جعلوا من ميدان الحرية
والكرامة ميدانا للتجارة بالوطنية والدين ودم الشهداء.
وبدلا من أن
يرتفعوا بالقيم وجّهوا الناس لنصب المحاكم والمشانق، حتى إذا سألت المشايخ
الذين يدعُون الناس للثأر قالوا لك: يا أخي نحن نكره في الله.. وتذرعوا
بالحقد المقدّس، بالله عليكم يا أتباع رسول الله الذي جاء رحمة للعالمين
ألم تجدوا شيئا تفعلونه بالله سوى الكراهية؟
إن الكراهية أيّها السادة كفر بنعمة الحب..
إنها الجحيم بعينه..
إنها النار التي تحرق القلوب؛ فتحترق معها القيم ويحترق معها الوطن..
|
لقد كان الله مع هذا الشعب الذي يُعاني الظلم طوال سنين، وظلّ معه حتى نصره، فماذا فعلنا حين نصرنا الله؟
تجبّرنا، وصرنا شيعا وجماعات وأحزابا، ووقف كل حزب بما لديهم فرحون..
لقد اغتر كثير من الثائرين بكثرتهم فلم تغنِ عنهم من الله شيئا..
نصرهم
الله كأهل بدر وهم أذلة، يحيطهم البطش من كل جانب، فلمّا أعجبتهم كثرتهم
كيوم حُنين وفرحوا بالغنائم سقطوا وفيهم رسول الله؛ أفلا نسقط نحن وفينا
الكراهية والأحقاد.
إن أغلب جرائدنا لا تحمل إلا الكراهية والدعوة إليها..
وكثير من قنواتنا الفضائية لا تحمل ما يزيد على هذه الجرائد سوى زرع الفتن.
وأغلب شبابنا تفرّق بحثا عن الزعامة في فئة قليلة..
نحن
على أبواب الفشل؛ لأننا تنازعنا وتمسّكنا بالكراهية ولم نغلب العفو
والتسامح، نحن نسقط؛ لأننا انتصرنا على أعدائنا ثم لم نستطِع أن ننتصر على
أنفسنا.
لقد كتبت من أكثر من شهر مضى وقلت رجعنا من الثورة الصغرى
للثورة الكبرى، وقلت إن ثورتنا الكبرى التي نحتاجها هي ثورة القيم
والأخلاق، فما كان من البعض إلا أن هاجم قولي وكأني ضد الثورة المجيدة التي
اختزلها الإعلام في فئة قليلة، واتسمت بالدكتاتورية والحِجر على الرأي
الآخر، ولم يُبالوا إلى أين نحن ذاهبون.
وأعود لأُكرّرها بصراحة ووضوح:
لقد حوّل الإعلام الروح الثورية إلى روح ثأرية!!
أخذوا واو العطف من الروح الثـ(و)رية.. وحوّلوها إلى همزة قطع ثـ(أ)رية؛
فقطعوا حبال المودة بين فئات المجتمع فكيف يعبرون بمصر من أزمتها؟!!
أما
الكارثة الكبرى التي باتوا يأخذوننا إليها -وسط كل هذه النيرات المشتعلة-
فهي مواجهة إسرائيل.. تحت زعم الزحف إلى غزة، أي عقول تلك، أي مراهقة ثورية
تسيطر على هؤلاء؟ إنهم يزجون بمصر في أتون لن يبقي منها شيئا ليحكموه كما
يظنون.. كيف أزحف إلى غزة بشعب أصبح لا يجد قوت يومه، وجيش أنهكنا قواه
بخلافاتنا العقيمة، ومكث بيننا ليعبر بنا من أشدّ أزمات مصر في العصر
الحديث.
إن وجه مصر لم يستطِع الفاسدون والمفسدون تلوينه، وإنني آسف أشدّ الأسف حين يلوّنه محبّوها بصبغة من الجهل والتردّي والنزاع الأثيم.
إنني
أنتظر ذلك اليوم الذي نرى فيه وجه مصر الحقيقي، الوجه البشوش المتسامح
الطيب بعد أن يتخلّص من تلك القشرة التي صبغوها بأحقادهم ومطامعهم.
وأعتقد
أننا في حاجة ماسّة إلى مَن ينقذ مصر من هذه الموجة من الكراهية والفوضى
العارمة، ولن ينقذ مصر سوى الطيبين من شعبها بكل طوائفه.
إن تغليب
المصلحة العامة -التي تعلو على كل مصلحة شخصية- هو الباب الأوسع للعبور من
هذا النفق، وربما كان انعدام الرؤية السياسية والاقتصادية المستقبلية
لمستقبل هذا البلد أحد أسباب تراجعنا عن البدء في مشروع النهضة المأمول.
فدعوا
حبال الكراهية، وتمسّكوا بوحدتكم ومحبّتكم، ولنستمع إلى كل صوت عاقل يرسم
لنا الطريق، فنحن نستطيع أن نعبر كل هذه المصاعب على جسر من الحب لَبِناته
الوعي بكل ما يحيط بمصر من أخطار، ودعائمه تخطيط قوي يعبر بنا من هذه
الأزمات بعمل وكدٍّ مخلصين.
فبذلك نبني الاقتصاد..وبذلك نعمّر الوطن..وبذلك نستطيع أن نقضي على الفتن..لأننا ببساطة سنبني الإنسان الوحيد القادر على بناء كل شيء!!