اسامة بن لادن.. محاولة للفهم كان أسامة في صغره طفلاً هادئا غير مقبل على لعب الأطفال المعتاد
اسمه ونسبه:هو أسامة بن محمد بن عوض بن لادن، أبوه
المقاول المشهور محمد بن لادن (الذي وصل إلى جدة من حضرموت في حدود سنة
1930 ميلادية). لم تمضِ سنوات قليلة حتى تحوّل محمد بن لادن من مجرد حمّال
في مرفأ جدة إلى أكبر مقاول إنشاءات في المملكة. تمكّن خلال فترة الملك
سعود من بناء علاقة جيدة مع كبار العائلة الحاكمة.
كان محمد بن لادن
رجلاً متديناً كريماً متواضعاً، وكان قد احتفظ بـ"القفّة" التي كان
يستخدمها عندما كان حمَّالاً، وعلَّقها في مجلس منزله؛ للافتخار لتذكير
أبنائه برحلة كفاحه. توفي محمد بن لادن سنة 1970 في حادث سقوط طائرة.
أما
الأم فهي علية غانم (هذا اسمها قبل الزواج)، وهي سورية من اللاذقية، تعرّف
عليها محمد بن لادن في رحلة عمل للاذقية، وتزوجها لتصبح زوجته الرابعة.
عُرف أسامة بحبه لأمه واحترامه لها، حتى إن السلطات السعودية حاولت استغلال
تلك العلاقة عام 1998 في توسيط أمه لأجل عودة بن لادن عن سلوكه والعودة
إلى السعودية، لكن محاولتها باءت بالفشل.
المولد والنشأة:وُلد
أسامة بن لادن في الرياض في حي الملز عام 1957. وبعد ستة أشهر من ولادته
ذهب أسامة مع أسرته إلى المدينة، وأمضى طفولته ومراهقته في الحجاز.
كان
أسامة في صغره طفلا هادئا غير مقبل على لعب الأطفال المعتاد، ومحبا للبقاء
بجانب والده، مهتما بحضور الدروس الدينية وتلاوة القرآن الكريم.
كذلك درس أسامة الاقتصاد وإدارة الأعمال في جامعة الملك عبد العزيز، إلى جانب عمله في سن مبكرة بشركة والده في شقّ الطرق.
زواج مبكر:اعتاد
أسامة تمضية عطلات الصيف مع خاله في اللاذقية، وما إن أتم السابعة عشرة من
عمره حتى تزوج ابنة خاله نجوى غانم، مما ينفي أنه تديّن بعد فترة انحراف
ومغامرات في الخارج.
الجهاد الأفغاني:تأثر
أسامة بن لادن بالدكتور عبد الله عزام؛ ففي الأسابيع الأولى من الغزو
السوفييتي لأفغانستان سافر أسامة إلى باكستان؛ لاستكشاف أحوال الجهاد.
استقر
عزمه بعدها في عام 1982 على التنقل بين بلدان ثلاث؛ في السعودية داعيا
ومحرضا على الجهاد وجامعا للتبرعات، وفي باكستان أسّس بيت الأنصار في
بيشاور؛ لاستقبال المجاهدين العرب عام 1984، وأخيرا في أفغانستان مجاهدا ضد
السوفييت.
في عام 1986 قرر أسامة أن يتوسع في تنظيم العملية
الجهادية ويكون له معسكراته وخطوط إمداده، وفعلا تمكّن أسامة من تشييد ستة
معسكرات؛ مستغلا خبرته في الإنشاءات التي اكتسبها من العمل مبكرا في شركات
والده.
الخلاف مع عبد الله عزام:رغب أسامة في
وجود العرب في معسكرات وقواعد خاصة بهم، والاهتمام بصورة أكبر بالجانب
العسكري داخل جبهات القتال، بينما قابل ذلك اهتمام عزام دعويا ورؤيته في
تفرقة العرب على الأفغان؛ لرفع وعيهم الديني. أدى ذلك إلى استقلال أسامة
بالعمل منفردا، وحرص عزام بالمقابل على وحدة الصف، مما جعل الخلاف غير مؤثر
في العلاقة بينهما. كذلك ترددت أقاويل عن ميل أسامة إلى أفكار أيمن
الظواهري، خاصة تلك المتعلقة بالتكفير وغيرها من القضايا الخلافية التي
كانت بين فكر تنظيم الجهاد ممثلا في الظواهري وفكر الإخوان المسلمين ممثلا
في عزام.
لكن رغم هذا الخلاف ظل بن لادن وفيا لذكرى عزام، وما زالت عائلة الأخير تنفي أي شبهة لتورّط بن لادن في اغتياله.
نواة القاعدة:في
عام 1988 لاحظ أسامة أن حركة المجاهدين العرب قدوماً وذهاباً والتحاقاً
بالجبهات بل حتى كثرة الإصابات والاستشهاد قد ازدادت، دون أن يكون لديه
سجلّ عن هذه الحركة، وهو ما رآه خطأ إداريا ويجعله غير قادر على طمأنة
عائلات المجاهدين دون معرفة بياناتهم، من هنا قرر أسامة ترتيب سجلات للإخوة
المجاهدين العرب. اتفق أسامة مع معاونيه أن يسمونها سجلّ القاعدة، على
أساس أن القاعدة تتضمن كل التركيبة المؤلفة من بيت الأنصار ومعسكرات
التدريب والجبهات.
وفي رواية أخرى قال أسامة في حوار له (بتصرّف):
"هذا الاسم قديم جداً ونشأ دون قصد منا، كان الأخ أبو عبيدة البنشيري -عليه
رحمة الله- كوّن معسكرا لتدريب الشباب للقتال ضد الاتحاد السوفييتي، فهذا
المكان كنا نسمّيه القاعدة كقاعدة تدريب، ثم نما هذا الاسم".
وستفسر
هذه النشأة وهذه الطريقة نشأة شبكة القاعدة وانتشارها وعملياتها، بحيث
تكون أقرب إلى شبكة من الخلايا المنفصلة وتيار فكري لا كتنظيم صلب له هيكل
معروف.
العودة للمملكة ثم الخروج منها:في عام
1989 بعد انسحاب السوفييت من أفغانستان، عاد أسامة إلى المملكة وكان دائم
النصح وإرسال الخطابات إلى المسئولين، لكنه شعر بصدمة عنيفة حين رفض آل
سعود الاستماع إلى تحذيراته من غزو محتمل من صدام حسين، ثم رفض عرض أسامة
بتجنيد المجاهدين للدفاع عن المملكة بدلا من الاستعانة بالقوات الأمريكية.
لكنه آثر التربّص والانتظار حتى احتال على منعه من السفر؛ بحجة تصفية أعماله في باكستان.
قوبل
بن لادن بظروف صعبة هناك؛ حيث دبّت الفتنة بين صفوف قادة الجهاد الأفغاني،
وحاول أن يجنّب العرب الدخول في هذه المواجهات، لكن بعد فشل مسعاه في هذا
وفي إبرام أي صلح بين القادة الأفغان، ذهب بن لادن في نهاية عام 1991 إلى
السودان التي بدت جنة الإسلاميين الموعودة بعد حكم نظام الإنقاذ؛ لتبدأ
صفحة جديدة من أسطورة بن لادن.
في السودان:كانت
فترة السودان من أكثر الفترات استقرارا في حياة أسامة، فقد أقام العديد من
المشروعات، وأقرض الحكومة السودانية ملايين من الدولارات؛ من أجل مساعدتها
على إعمار السودان.
مارس كذلك العمل السياسي من خلال سعيه مع بعض
منظمات المقاومة المختلفة من قادة الجهاد الأفغاني وحزب الله وحماس والجهاد
وغيرها؛ بهدف التحرك لمناهضة التدخل الأمريكي في العراق عام 1991 ومناهضة
الدول العربية التي دعت لهذه المغامرة العسكرية.
كما نرى أن هاجس
وجود الأمريكيين في جزيرة العرب كان مسيطرا على بن لادن، ولعل أفكاره هذه
هي التي جلبت عليه نقمة النظام السعودي، الذي سحب منه الجنسية، فانضمّ
أسامة لهيئة النصيحة والإصلاح؛ لمعارضة النظام السعودي والدفاع عن محاولات
الإصلاحيين داخل المملكة.
مارس بن لادن كذلك نشاطا عسكريا، ففي عام
1992 نُفّذت عملية في أحد فنادق اليمن استهدفت جنودا أمريكيين، لم ينسب بن
لادن العمل صراحة لنفسه، وكما فعل في تعليقه على عمليات كثيرة فقد تبنى
التحريض على هذه العمليات وأشاد بها، ويرجع ذلك لطبيعة القاعدة كشبكة خلايا
منفصلة، وتيار فكري أكثر منه تنظيما صلبا كما ذكرنا من قبل.
بعدها
بعام قام أبو عبيدة البنشيري (القائد العسكري المقرب من بن لادن، والمؤسس
لما يمكن تسميته بنواة القاعدة) بعملية إسقاط لمروحيتين أمريكيتين في
الصومال.
أما في عام 1995 فقد نفّذ رجال ينتمون لفكر القاعدة عملية
في قاعدة للحرس الوطني قُتل خلالها خمسة أشخاص من بينهم ثلاثة خبراء
عسكريين أمريكيين. لم ينفِ بن لادن صلته بتحريضهم، ومن اللافت للنظر أنه في
نفس العالم بعث أسامة رسالة للملك فهد برّأ الحرس والجيش من خطايا الملك
الذي ارتكب ما ينقض الإسلام ويسقط ولايته ويوجب القيام عليه، حسب وصفه.
أدت
الأحداث التي ذكرناها إلى ضغط أمريكا والسعودية على الحكومة السودانية؛
للتخلي عن بن لادن، مما اضطر الحكومة السودانية إلى التلميح للأخير بأنها
لم تعد تستطيع استضافته أكثر من ذلك. ورغم مرارة الطرد وعدم سداد الحكومة
السودانية لأكثر من 10% من قروضه، قرر أسامة بن لادن السفر إلى أفغانستان
مجددا، مستأنفا رحلته التي لم تنتهِ إلا بموته.
لكن يبدو أن أسامة
سيستقر هناك بعد مرحلة تكفير من يحكمون بغير ما أنزل الله، وتكفير كل من
يدعم نظامهم ولو بالكلمة ويستحل بهذا دماءهم، غير مفرّق بين تكفير الفعل في
المطلق وبين تكفير شخص بعينه، مما يتطلب التثبّت والتدقيق، ناهيك عن أن
إباحة الدماء وسعي كل شخص لإقامة الحدود بنفسه بهذه الطريقة تؤدي إلى أن
يستحرّ القتل في الأمة، وانتشار الفتن وجلب المفاسد، وقد رأينا من عمليات
القاعدة ما مات فيه أبرياء يتبجّح مبرروها بفتوى التترّس (أي جواز قتل
المسلمين الذين يتترّس بهم الكفار أو يتحامون فيهم) فيسفكون دماء أهل
القبلة دون أن يطرف لهم جفن (جدير بالذكر أن موضوع التترّس هذا أخذه أبو
محمد المقدسي -أحد منظري السلفية الجهادية- على ممارسات القاعدة في العراق،
وقد شهد شاهد من أهلها على إسراف القاعدة في القتل)، ثم يخرج قادة القاعدة
ليحرضوا الأمة الإسلامية على الجهاد، ويحرّضون الشعوب على تأييدهم وممن
يسمعونهم من يُتّم أو رُمّلت أو ثكّلت بسبب سفاهتهم، ويمزجون بين وسائل
الكفاح السلمي وبين القتال في مزيج عجيب لا تتبين فيه الحق من الباطل.