د.حسن نافعة: مبارك أعطى إسرائيل ما لم تحلم به اتساع فجوة عدم الثقة بين الجيش والشعب معناه دخول مصر في دوامة من العنف والصدام
أجرى الحوار: أحمد رجبفي حواره لـ"بص وطل" تحدّث الدكتور حسن
نافعة -أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة- عن مستقبل مصر بعد ثورة 25
يناير التي يراها أفضل من ثورة 1919، ويطلب من الجميع أن يدرك أن هناك ثورة
حدثت في مصر، ولم تعد الإصلاحات السياسية مناسبة، وإنما نريد أن نبني دولة
على أساس ديمقراطي، وأشار إلى أن الجيش كمؤسسة عسكرية يكنّ له كل الاحترام
والتقدير، ولكنه يطلب من المجلس الأعلى بما أنه ارتضى أن يدير البلاد،
وهذا شأن سياسي، وبالتالي عليه تحمّل النقد الذي يوجّه له.. ويقول إن
الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع أن تتحكم في عملية تشكيل نظام سياسي
بديل في مصر في المرحلة القادمة، ولا يتمنى أن تتسع فجوة عدم الثقة بين
الجيش والشعب؛ لأن هذا معناه دخول مصر في دوامة من العنف والصدام، وإلى نصّ
الحوار..
كيف يرى الدكتور حسن نافعة شكل الخريطة السياسية لمصر في الفترة المقبلة؟من
الصعب جدا أن يتحدّث أحد بيقين عن شكل الخريطة السياسية لمصر في المرحلة
القادمة، وهذا يتوقف على موازين القوى المختلفة الموجودة على الساحة الآن،
المتمثلة في القوى التي فجّرت الثورة من ناحية، والجيش وما يريد وما يستطيع
وما لا يستطيع، والقوى المضادة التي تريد أن تنقضّ على السلطة مرة أخرى أو
إجهاضها.
ولكن هناك إعلان دستوري قد صدر، وأيضا قانون للأحزاب،
وكل هذه أدوات تغيّر من شكل الخريطة السياسية في المستقبل، بينما كيف
ستتغير فهذه مسألة تتوقف على ديناميكية المجتمع المدني، كم من الأحزاب سوف
ينشأ؟ كم من الأحزاب سيندمج فيما بينه بعد ما يظهر إلى الساحة؟ ما الذي
ستفرزه الانتخابات البرلمانية القادمة؟ وعدد مرشحي الرئاسة... كل هذه
العوامل هي ما سيحدد شكل الخريطة السياسية في المستقبل.
ما رأيك في إدارة الجيش لشئون البلاد في المرحلة الانتقالية؟ أنا
أميز بين الجيش كمؤسسة عسكرية وطنية، تحظى بالاحترام الكامل، ولكن علينا
أن نعترف أيضا أن السلطة آلت للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في ظرف
استثنائي، فمنذ ثورة 1919 لم يحدث أن يخرج الشعب المصري بهذه الكثافة
لإسقاط النظام، فنحن أمام ثورة أعظم من ثورة 1919.
لكن الإدارة
السياسية للمرحلة الانتقالية موضوع سياسي وليس موضوعا عسكريا، وبالتالي
عندما نوجّه انتقادات إلى الطريقة التي تدار بها المرحلة الانتقالية،
وبالذات إلى أسلوب المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إدارة المرحلة
الانتقالية، فنحن نوجّه الانتقادات إلى الإطار السياسي الذي تدار من خلاله
المرحلة الانتقالية وليس إلى المؤسسة العسكرية، هذا يجب أن يكون واضحا،
وبالتالي كان يتعيّن أن يدرك الجيش أن إدارة المرحلة الانتقالية برمّتها
تستدعي آلية أخرى.
صعب جدا أن يتحدّث أحد بيقين عن شكل الخريطة السياسية لمصر في المرحلة القادمة
هل هذه الآلية تتمثل في تشكيل مجلس رئاسي؟
ليس
بالضرورة مجلس رئاسي، ولكن كان يمكنهم أن يدعوا 20 أو 30 شخصية من أبرز
رجال مصر، وليست لديهم طموحات سياسية من نوع معين، وكان يمكن لهؤلاء أن
يتدارسوا فيما بينهم، ثم يُخرجوا ورقة لكيفية إدارة المرحلة الانتقالية،
وتكون بمثابة خارطة طريق للمجلس العسكري.
وما المطلوب من القوى السياسية الموجودة على الساحة الآن؟ مطلوب
من القوى السياسية التي انقسمت في مرحلة ما بعد الثورة أن تعيد التنسيق
فيما بينها، حول رؤية لما هو قادم في كيفية إقامة نظام ديمقراطي حقيقي،
وتتفق على قواعده الأساسية؛ لأن استمرار انقسامها سوف يجهض الثورة،
وبالتالي سيعيد النظام القديم، ليس بالضرورة بكل أبعاده وأركانه وإشكاله،
ولكن بشكل محسّن ومعدّل، ولكنه له نفس الجوهر ونفس المضمون.
ما خطورة اتساع فجوة عدم الثقة ما بين الجيش والثوار؟هي خطرة جدا؛ لأن التناقض بين الشعب والجيش تناقض له عواقب في غاية السوء، هذا معناه أن ندخل في دوامة من العنف أو الصدام.
الكاتب
الغربي دوف فاسغلاس يقول إن أمريكا كاذبة في ادّعائها عن سرعة إجراء
انتخابات حرة ونزيهة في مصر، وإنما هي تتمنى استمرار الجيش في السلطة لأطول
فترة ممكنة؛ لأنه الجهة الوحيدة في مصر القادرة على مواصلة سياسة مبارك
تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.. ما رأي الدكتور حسن نافعة في هذا الأمر؟
أنا
لا أظن أن الولايات المتحدة تفكّر بهذه الطريقة، الولايات المتحدة ترسم
سياستها الخارجية على أساس المحافظة على مصالحها في أي مكان في العالم، وقد
فوجئت بالثورة مثلما فوجئ بها الكثيرون، سواء في الخارج أو في الداخل، وهي
تتعامل مع الموقف الحالي من منطلق أنها لا بد أن تسعى بقدر المستطاع
للحفاظ على مصالحها، وهي أمن إسرائيل أولا، وإمدادات النفط ثانيا،
والمحافظة على النظم الموالية لها والعميلة لها في المنطقة.
أما وإن
نظامها العميل في مصر قد سقط، وهناك نظام بديل في طور التشكل، فالولايات
المتحدة سوف تسعى للتأثير على هذا النظام القادم لكي يكون نظاما إن لم يكن
موليا لها مائة بالمائة فعلى الأقل غير معادٍ لهذه المصالح، فالولايات
المتحدة تتحدث عن الديمقراطية، لكن ليس لها مصلحة في ديمقراطية حقيقية في
مصر، هي تريد رجلا قويا يحكم مصر، ولكن يحكمها بالطريقة التقليدية التي
تحافظ على المصالح الأمريكية، ومبارك أعطاها ما لم تحلم به هي وإسرائيل،
لكن أنا واثق من أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتحكم في عملية تشكيل
نظام سياسي بديل في مصر، فالنظام السياسي القادم سيكون محصّلة لتفاعل قوى
سياسية عديدة على الأرض.
هل تفضّل الدولة البرلمانية أم الدولة الرئاسية؟
نحن
لا نريد نظاما رئاسيا ينتج الفرعون من جديد، ولا نريد نظاما برلمانيا؛
لأننا لا نستطيع أن ندخل في نظام برلماني كامل بعد 60 عاما من عدم
الديمقراطية، وإنما أنا أفضل النظام المختلط الذي يجمع بين البرلماني،
والرئاسي، فالأفضل هو رئيس على رأس الدولة له صلاحيات رئاسية، سيكون صمام
أمان؛ لفرملة عدم الاستقرار، ولكن يجب أن يخضع هذا الرئيس للمساءلة
القانونية والمساءلة السياسية.
ما الشروط التي يريد الدكتور نافعة أن تتوافر في رئيس الجمهورية القادم؟
أنا
لا تعنيني الشروط بقدر ما تعنيني الرؤية، بمعنى برنامج الرئيس القادم هو
أهم شيء، يعني نتعرف على أفكاره، كيف يفكّر في مشاكل مصر؟ والسياسات التي
سيطرحها ويعد بتبنيها في حالة وصولة لرئاسة الجمهورية إلى آخره.
لكن لا
يعني هذا أن السمات الشخصية للرئيس غير مهمة، طبعا هي مهمة، لكن أنا لا
أبحث عن زعيم كاريزمي يكون مؤثرا على الجماهير، بقدر ما أبحث عن زعيم
تتوافر فيه سمات النزاهة الشخصية، والفهم للواقع المصري شديد التعقيد،
وتكون لدية رؤية لإخراج مصر من هذا المأزق الشديد التي توجد فيه حاليا.
هل هذه الشروط متوافرة فيمن يطرحون أسماءهم كمرشحين لرئاسة الجمهورية حتى الآن؟
أنا
لا أريد أن أتحدث عن أشخاص الآن، ولكني أرى أن المرشحين الحاليين هم أفضل
ما يمكن أن تنجبهم مصر في الفترة الحالية، ولكن ما زلنا في انتظار مرشحين
آخرين، وأظن أن مصر مليئة بالكفاءات التي قد نفاجأ بعدد كبير منها في
المرحلة القادمة.