مصر التي في خطر لقد استرددنا مصر من عصابة إجرامية كبرى
تخيّل نفسك تقود سيارة في طريق وعر على حافة جبل، وحولك تُحلّق الغربان والعقبان الجارحة، ومعك مجموعة مختلفة من البشر.
كلما
اصطدمَتْ السيارة بمطبّ أو انزلقت في حفرة، أو حطّ عليها غراب ومزّق جزءاً
من غطائها، تصاعد الصراخ من تلك المجموعة، وارتفعت الهتافات الملتاعة بأن
السيارة ستهوي من الحافة، أو أن الغطاء تمزّق وستهاجمنا النسور لتلتهمنا
أحياء، ثم تبدأ تلك المجموعة في إلقاء اللوم على رأسك بطريقة: "ما قلنا لك
بلاش نعدّي من هنا" - "ما كان كفاية لحد تحت وخلاص مش لازم نوصل للقمة" -
"آدي اللي خدناه من طلوع الجبل"!!
تخيّل نفسك في هذا الموقف، وقل
لي: هل هذا الصراخ سيجعلك تصل بالسيارة إلى القمة التي تنشدها؟ أم سيجعلك
تفقد تركيزك المُنصبّ على تجاوز كل تلك المحن والأخطار التي حولك؛ فتجد
نفسك إما هاوياً من أعلى الجبل، أو أصبحت عُرضة للطيور الدموية التي ستنهش
فيك وفي من معك من الصارخين؟!
هذا هو حال مصر الآن، بلد تنطلق منذ
قيام الثورة نحو هدف محدد، وهو بناء دولة ديمقراطية حديثة، تصل في غضون
سنوات إلى دورها المفتقد، ومكانتها التائهة عنها منذ عقود؛ بينما تُحلّق
حولها المخاطر والفتن والأزمات، التي تحتاج منا جميعاً إلى التكاتف
والانتباه الشديد؛ حتى نصدّ تلك المحاولات ونعالج تلك الأزمات جيداً.
لكن
ما يحدث في الواقع هو أمر آخر تماماً، بعيد كل البعد عن محاولات صدّ
الأزمات ومعالجتها؛ حيث لا تجد من ردود الفعل سوى الصراخ والهستيريا
والهلع؛ بل ويصل الأمر بالبعض لإعلان النهاية، وأن البلد ذاهبة إلى الجحيم
رأساً!!
ناهيك عن أولئك الذين يبحثون عن أية ثغرة لنقد الثورة، التي
لم تعجبهم منذ البداية لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن، ومحاولاتهم
للظهور في هذا الوقت تحديداً؛ حيث تقرأ في تعليقاتهم على الأخبار السلبية
-كأحداث إمبابة مثلاً- مزيجاً من التهكم والسخرية والشماتة، وكأن الثورة هي
السبب في هذه الأحداث المؤسفة!
يجب أن نعلم جميعاً حقيقة ما نحن
فيه.. نحن استرددنا مصر من عصابة إجرامية كبرى، تلقّت أكبر ضربة في
تاريخها، ضربة حوّلتها إلى كُتَل مفتتة مهزومة على وشك الفناء؛ لكنها
تحاول، وستظل تحاول أن تلتئم وتتكتل وتنتقم منا جميعاً.. فهل نستسلم لها
ولضرباتها العنيفة واللا إنسانية؟!
نعم سيستخدمون أقذر الطرق
وأحقرها.. استخدموها من قبل في ضرب الثوار بميدان التحرير، ألقوا عليهم
الحجارة المدببة وقنابل المولوتوف ليقتلوهم، والآن يستخدمون سلاح الفتنة
الطائفية بخطة تافهة؛ لكنها تعتمد على العقول المغيبة لتنفيذها.
لكن
من قال: إن تنفيذ جزء من هذه الخطة يعني نجاحهم فيما يسعون إليه؟ ومن قال:
إنه يعني هزيمتنا كي يُعلن أولئك المتشائمون أبداً أننا وصلنا للحائط
السد، وأن مصر في صباح الغد لن تكون على الخريطة؟!
المشكلة أن توافر
المنابر المتعددة للتعبير عن رأيك في وقت وقوع الحدث -كالفيس بوك والتويتر
وغيرهما- جعل الكلام يسبق التفكير والفعل، الكل يتبارى في النُّوَاح
والصراخ وصبّ جام الغضب على رؤوس من يقرأون كلامه.. ولأن الطاقة السلبية
تتغذى من بعضها البعض، ولأنها تكون الحالة المسيطرة -بطبيعة الحال- على
الإنسان وقت وقوع الحادث؛ فإن المخاوف التي يتسرع بنقلها المتخوفون
والمتشائمون عبر كتاباتهم اللحظية، تتشابك مع غيرها وتنمو وتنتشر وتتوغل
لتملأ المشهد والآفاق؛ حتى يعتقد البعض أنها النهاية بالفعل؛ بينما تزيدها
شماتة المتربصين بللاً.
لكنني أذكّركم ونفسي بأن مصر قد مرّت بأهوال
كثيرة طوال تاريخها الممتد حتى الآن؛ لكنها ظلت وبقيت بفضل من الله
ورعايته، وذهب كل من أراد بها سوءاً غير مأسوف عليه؛ فلا تجعلوا خوفكم على
مصر سبباً في إعاقتكم عن حمايتها والذود عنها، وتذكروا رسول الله صلى الله
عليه وسلم حين قال: "إذا فتح الله عليكم مصر بعدي؛ فاتخذوا فيها جنداً
كثيفاً؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض"؛ فقال أبو بكر: "ولِمَ ذاك يا رسول
الله؟"، قال: "إنهم في رباط إلى يوم القيامة".
هذا كلام رسول الله
عليه الصلاة والسلام عن أهل مصر، من قبل حتى أن يدخلها الإسلام؛ فأرجوكم
كفّوا عن التشاؤم والهلع، وبدلاً من الصراخ بداخل السيارة، عليكم بإبعاد
الطيور الجارحة التي لن تنجح في إيذائكم وأنتم في اتحاد أجمعين.