هل الوصول للحكم هو أولوية الإخوان؟! اضطر الإخوان لتعديل منهج البنا بعد حل الجماعة ومحاكمة بعض عناصرها
تناولنا في الجزء الأول
نموذج حكم المؤسسة ومشروع الدستور المدني ذي المرجعية الإسلامية،
والإخوان كحركة سياسية خالصة لها مؤهلاتها للوصول للسلطة، ومدى قدرتهم على
الفصل بين مرجعيتهم الدينية وما سيُقدّمونه من منهج مدني خالص، وتعرّضنا
لفكرهم ومختصر لتاريخهم المصري، ونخوض الآن معا في قراءة منهجهم الجديد بعد
التحوّل الذي طرأ على فكر الإخوان بعد حسن البنا وحل جماعة الإخوان للمرة
الأولى.
التحوّل في المنهج الفكري
يقوم فِكر حسن البنا على المزاوجة بين الدين والدنيا؛ فالمسلم العامل هو المسلم الموحد؛ مصداقا لقوله تعالى:
{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}؛
وما دام المسلم هو ذاك الرجل الذي يُدين لله تعالى في كل أعماله العبادية
والمعاملاتية؛ فلا يجب أن ينفصل شقه العبادي عن شقه العامل؛ فالله تعالى
أمر بترك الرشوة، وأمره هذا لا يتنافى مع مضارّها الفعلية على أرض الواقع،
وتحريم الربا لا يناقض ما يُخلّفه من مشقة وعداء وكلفة على الناس وهكذا.
وقد
بيّن حسن البنا أن التارك لهذه الأحكام الدينية لا يكون كامل الإيمان،
وأنه بذلك لا ينفي عن غير الإخوان -أو من لا يدينون- بذلك إيمانهم.
وقال
البنا في ذلك: "وهكذا اتصل الإخوان بكتاب الله واستلهموه واسترشدوه؛
فأيقنوا أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل، وأنه يجب أن يهيمن على كل
شئون الحياة، وأن تصطبغ جميعها بها، وأن تنزل على حكمه، ما دامت الأمة
أرادت أن تكون مسلمة إسلاما صحيحا، أما إذا أسلمت في عبادتها وقلّدت غير
المسلمين في بقية شئونها؛ فهي أمة ناقصة الإسلام تضاهي الذين قال الله
فيهم:
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ
بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ
الْعَذَابِ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}".
فالإسلام أسمى من التعرّض لتفصيلات الحياة؛ إنما هو يضع الحدود الكلية، ويرشد الناس لتطبيق هذه القواعد والسير على هداه.
وقد
حثّ البنا على العمل بالسنة ودعوة الناس ما وجدَتْ إلى ذلك سبيلا؛ أي أن
الإمام البنا ينهي عن التعارض المباشر مع ما هو مؤكّد أنه سينتج عنه صدام.
وأول
انحراف بعد موت البنا، كان في ظهور سيد قطب، الذي اتبع أبا الأعلى
المودودي في بعض أفكاره؛ فقال إن الإسلام إما أن يؤخذ كله أو يترك كله،
ولهذا فالمجتمع جاهلي، بعضه قد يصل للكفر.. لكن أيّا مِن سيد قطب أو
المودودي لم يعرض فكرة مواجهة المجتمع ومحاربته.
وبعد ذلك تلقّفت
فكرة سيد قطب مجموعة انحرفت عن الإخوان وانشقت عنهم؛ مكوّنة ما يُسمّى
بـ"جماعة الجهاد"، اعتمدوا فيها مبدأ التكفير، واختارت المواجهة المسلحة مع
الطغاة من المجتمع.
وبدأ أن حُلّت جماعة الإخوان سنة 1949، بدأ
الإخوان في التنازل عن بعض ما جاء عند حسن البنا؛ فأخذوا في تقديم أولوية
القيادة السياسية على التربية الروحية، وبناء مجتمع يستطيع قيادة نفسه
بمرجعيته الدينية التي تربّى عليها؛ حتى لا يقع لهم مثل ما وقع من قمع من
السلطة الحاكمة؛ فكان بحثهم بداية عن قوة تقدر على تغيير الحكم والحكومة
بالقوة السياسية أو العسكرية؛ فكان اتجاههم إلى الجيش سنة 1952.. ومن هنا
جاء التحوّل في تقديم أولوية وصول الجماعة للبرلمان أو الحكم.
الجانب الحركي في حياة الإخوان
رفض
الإخوان الانضواء تحت حزب أو راية سياسية طيلة الفترة السابقة؛ لأنهم دعوة
دينية يدخلون في نسيج الناس ويبثّون فكرهم، يريدون الوصول بالفعل للسلطة،
لكن ليس عن طريق حزب يكبّل حركتهم ويأخذ توجيهاته من الدولة.. إلا أنهم
عقدوا اتفاقا مع حزب العمل سنة 1995 وما لبثوا أن فضوه، وعادوا لما كانوا
عليه.
وأول مَن انشقّ عنهم لينخرط في العمل السياسي (وكان مؤمنا فقط
بأفكارهم)، هو عبد الرزاق السنهوري باشا، الذي وضع شرحا للقانون المدني؛
فقامت في كتاباته فكرة المواطنة؛ على أن يكون غير المسلمين جزءا من الوطن
الإسلامي لهم حقوقهم ومطالبهم وحرية دينهم؛ ولا يجوز بحال فصلهم عن هذا
الكيان.
ويدعو السنهوري لإعادة بناء هذا الكيان الكبير لتحقيق خلافة
إسلامية كاملة، ولا يكون سقوط الخلافة مبررا للعمل على غير هذا الكيان
الكامل الموحد.
وأورد تعريفا للخلافة بأنها "إقامة نظام حكم يضمن
وحدة الأمة الإسلامية"؛ وهو في هذا لا يدعو لإسقاط استقلال الدول؛ بل توحيد
وجهتها بما يضمن وحدتها، كمعاهدات دفاع واقتصاد مشترك ونحو ذلك؛ لتتعامل
كوحدة واحدة..
ويدعو لبناء حكومة إسلامية واجبة الطاعة، ولو كانت ناقصة في ظلّ الحكم في الفقه الإسلامي؛ ولو اقتصرت على حفظ النظام والأمان للناس".
كان
الإخوان المسلمون يتسعون لأفكار أخرى مخالفة من داخل أفرادهم أو يتبنّون
بعض الأفكار الجيّدة التي جاءت من غيرهم؛ إلا أنهم أصبحوا بعد ذلك يرفضون
كل ما لم ينبع من داخل الجماعة، ويرفضون الانفراد بآراء تخالف الآراء
العامة التي يسيرون عليها؛ ولذلك حدث لديهم بعض الانشقاقات؛ فانشق عنهم بعض
الوسطيين أمثال أبو العلا ماضي ومحمد سليم العوا حديثا، وقديما الشيخ محمد
الغزالي والقرضاوي.
أهم ما يُؤخذ على الإخوان
- تقديمهم الدور السياسي -كجماعة دينية- على الدور الروحي، الذي وضعه حسن البنا لَبِنَة أولى لبناء المسلم.
-
هناك بعض العناصر التي تنسى الهدف العام، وهو ريادة المنهج الإسلامي أيا
كان مطبقه وقائده، وتضع نصب أعينها أن تكون الريادة لجماعة الإخوان.
- وأخيرا عدم قدرتهم الآن على صياغة كاملة لمنهج المجتمع المدني، الذي لا تظهر فيه مرجعيتهم الدينية على سطح التطبيق.