الليبرالية يعني أمك تلبس حجاب وأبوك يشرب خمرة! الحرية في الإسلام هي النموذج الأكمل والأفضل
كتب هنا وتحت عنوان قريب من هذا الأخ والزميل الأستاذ وليد فكري، وكان
لي على ما كتبه تعليقات، رغم عدم اختلافي مع كثير مما ورد في مقاله الطيب "الليبرالية يعني أمك تعرف تلبس حجاب.. أيوه أمك إنت!"؛ أنشرها هنا تأكيدا من "بص وطل" على مبدأ الحياد والشفافية، وتأكيدا مع أخي وليد على أن الخلاف في الرأي لا يفسد أبدا للود والحب والأخوّة والصداقة أي قضية..
وقبل أن نختلف أريد أن أؤكد أني لم أكتب رأيي في الليبرالية؛ للتحريض
عليها ولا تأييدا للحجر أو التضييق على ممارستها؛ فلكل مواطن الحرية في
اختيار أي منهج يلائم فكره، ونحن نكفل له هذه الحرية ونطالب بها معه، ولكن
أن يكون ذلك في إطار منظم شفاف واضح لا لبس فيه ولا تدليس..
استشهد أخي وليد في مطابقته مفهوم الليبرالية بمفهوم الحرية في الإسلام
بما قاله الشيخ محمد حسان من إطلاق الديمقراطية على مصطلح الشورى، وحيث إن
الديمقراطية لا يمكن أن تكون أبدا بمعنى الشورى، فكذلك الليبرالية لا يمكن
أن تكون أبدا بمعنى الحرية في المفهوم الإسلامي، فكلا الرجلين من وجهة نظري
مارس شيئا من المكر السياسي، والالتفاف حول المصطلحات ومضامينها، فهذه
الشعرة الدقيقة بين كل مفهوم وآخر هي ما تعطيه دلالته، ولا يمكن أن يدل
مصطلحان على معنى واحد أبدا، وإن كان العوام لا يفرقون؛ فالمتخصصون يفهمون
هذه الفروق، وأخي وليد واحد من النوابغ المتخصصين في مثل هذا من فروع
العلم..
والحقيقة أن ما قاله أخي وليد في تفسير الليبرالية هو بالفعل ما ينطبق
على مفهوم الحرية في النظام الإسلامي؛ حيث لكل شخص حرية التفكير والتعبير
وفق منظومة تراعي المجتمع ولا تجرح تقاليده ولا تخرج عن سياقه أو تشذ عن
المتعارف عليه؛ المعروف شرعا أن كثيرا من أحكام العرف هي أحكام للشرع، وما
تعارف عليه البشر في تعاملاتهم مما يصلح شئون حياتهم هو عينه الشرع، وفق
القاعدة الشرعية: "أينما وُجدت المصلحة فثمّ شرع الله" دون تعدّ ولا
تجاوز..
لست ضد الليبرالية، ولكني ضد الادعاء بأنها تقترب بهذه
الصورة من مفهوم الحرية في الإسلام، فالحرية حسب المفهوم الإسلامي هي
الأكمل والأفضل من وجهة نظري غير أني لا ألزم بها أحدا، وأدافع فقط عن ألا
يُستغل النموذج الكامل في الدعاية لأفكار تتقارب معه في زاوية، ولكن تتباعد
عنه في زوايا
أما الليبرالية التي نعرفها فهي شيء غير ما يدعو إليه أخي وليد،
وإذا كان في مدافعته عنها وتطميننا تجاهها يقول إنها لا تبيح الدعارة فكفى
به سببا للقلق؛ إذ التفكير هو كيف نصلح لا كيف نحافظ على أنفسنا من
الطوفان..
وهنا لبس لا بد أن نستوضحه، وهو أن كل تيار مفسّر بأخلاق متبعيه ورواده؛
فهل يصح أن أدعو أنا إلى تيار الجهاد ضد الأمريكيين، وأزعم أنني على غير
مثال بن لادن، أو أدعو إلى العلمانية وأترك ورائي تجربة علمانية كاملة
أساءت للآخر وأضرت بحقوقه، ثم أقول إني لا دخل لي، وأطالب القارئ بأن ينحّي
تجاربه مع هذا التيار جانبا لأنني شيء مختلف؛ هذا قول لا يصح ولا يناسب أي
منطق..
وتجربتنا مع الليبرالية يفسرها نماذج وأعلام الليبرالية
وروادها في مجتمعنا المصري العربي وهي تجربة المئات والمئات من أعلام
التفكير الليبرالي، منهجا وسلوكا، الذين لا يمكنني أن أنعزل عنهم وأنا
أقيّم الليبرالية، فأي تقييم لأي منهج يجب أن يأخذ في النظر سلوك ممثليه،
لا وفق تنظيرات هي للدعاية أقرب منها لإحقاق الحقائق..
أثق أن أخي وليد يصوم ويزكّي ويؤدي صلواته، ولكن معظم ممثلي الليبرالية
في مجتمعنا أُثِر عنهم ضد ذلك تماما، وكل ليبرالي يشهد أنه اختلط بمجموعة
من هؤلاء، وجاء في مذكرات بعضهم أنهم اجتمعوا على مائدة "الغداء" وجاءهم
خبر هجوم القوات المصرية في ساعة الصفر يوم السادس من أكتوبر، الذي يا
للعجب يوافق ظهيرة العاشر من رمضان! وفق مفهومهم فهم لا ضير عليهم حيث يتفق
مفهومهم عن العبادات والتكاليف مع فكر الليبرالية الأساسي؛ إذ هو حرية
الفرد في اختيار ما شاء وكيف شاء دون ضوابط أو قيود إلا فيما يتماسّ مع
الآخرين، فلي مطلق الحرية أن أشرب الخمر، لكن لا أقود السيارة وأنا مخمور،
ولزوجتي الحق في ارتداء الحجاب، ولكني لا أعترض على المراقص والمساخر،
وتحوّل الشوارع إلى مواخير مجانية..
وإذا حاول أخي وليد تطميننا إلى أن ليبرالية مصر ستكون خاصة وفق طبائع
المصريين؛ لأن الليبرالية وعاء شفاف ينضح بما فيه، فهل في هذا دلالة إلى
أنها ستستمر على نهج نفي الآخر ورفضه، كطبع موجود بالفعل في غالبية المناهج
الفكرية المصرية؛ إذ لم أعثر حتى الآن على منهج يتيح للآخر الخلاف معه إلى
النهاية؛ حيث تقف حرية الجميع عند مبادئي، وأتحول بعدها لديكتاتور صغير.
لست ضد الليبرالية، ولكني ضد الادعاء بأنها تقترب بهذه الصورة من مفهوم
الحرية في الإسلام، فالحرية حسب المفهوم الإسلامي هي الأكمل والأفضل من
وجهة نظري غير أني لا ألزم بها أحدا، وأدافع فقط عن ألا يُستغل النموذج
الكامل في الدعاية لأفكار تتقارب معه في زاوية، ولكن تتباعد عنه في زوايا..
الليبرالية التي قال عنها أخي وليد إنها لا تعترض على أن يكون الإسلام دينا ودولة هي ليبراليته وحده، ووفقها فأنا ليبرالي على مذهبه.