اخلع حذاءك قبل الصلاة.. وقبل التفكير أيضًا! إنك تتكلم عن شعب وقف المسيحي منه يحمي المسلم في ميدان التحرير منذ ثلاثة أشهر
كتبت: أميرة الشربيني
في الإنجليزية مقولة شهيرة لها دلالتها: "In his shoes".
ويُقصد بها أن تكون في موضع شخص آخر، بالملابسات نفسها تمامًا، والخلفية والظروف نفسها؛ وكأنك ترتدي حذاءه..
تلك
واحدة من عباراتي المفضلة، كشخصية تتكلم دوما عن تقبل الآخر وتفهُّمه،
ومحاولة رؤية الأمور من منظور مختلف، وضرب المثال بأنني أحاول أن آتي وأقف
ملاصقة لك كي أرى الأمور من منظورك أنت..
والعبارة الإنجليزية
تعني أكثر من هذا.. تعني أنك تخلع حذاءك وترتدي حذاء الآخر، وتختبر ما مرّ
به فعلاً.. عندها تكون قد عرفت ما يشعره حقيقة.
لذا وأنا أكتب هذا
المقال قررت فصل نفسي تمامًا عن ذاتي.. أنا امرأة مصرية عادية للغاية..
مسلمة ومحجبة.. لا يوجد ما يميزني، وإن مررتُ بجانبك في الشارع فلن تلتفت
إليّ.. لذا لا أشعر بغرابة في أي مكان.
ماذا لو كنت امرأة مصرية مسيحية؟ هل سأشعر بغرابة؟ هل سأشعر أنني من الأقلية، وأني أرتدي الصليب بينما ترتدي الأخريات الإيشارب؟
هل سأفتقد عدم وجود برامج للديانة المسيحية في الإعلام المصري الزاخر ببرامج دينية للمسلمين؟
أو ربما تغضبني التعقيدات التي تواجهنا من أجل الحصول على تصريح لبناء كنيسة؟
لو
كنتُ امرأة مصرية مسيحية ومات لي مَن مات في حادث تفجير؛ فكيف سأشعر؟ وإن
لم يمُتْ أحد وشاهدتُ فقط كنائسنا وهي تتفجر وهي مهدَّدة؛ كيف ستكون ردة
فعلي؟
كي أخلع ذاتي عن ذاتي وأضع نفسي تمامًا مكان الآخر؛ يتطلب
الأمر وقتًا للتوقف مع النفس والتفكر بعمق وحيادية تامة. وكي أعود إلى ذاتي
وأتحدث بالنيابة عنها؛ سيتطلب مقالاً آخر!
كل ما أود قوله هو أني
-كامرأة مصرية مسيحية كنتُ أو مسلمة- أعتقد أننا نرى أن ما يحدث تلك
الأيام له دلالات أكثر مما يحاول البعض أن يزعم، لكن المصريين لم يصلوا
بعد إلى هذه الدرجة من التعصب والطائفية..
إنك تتكلم عن شعب وقف
المسيحي منه يحمي المسلم في ميدان التحرير منذ ثلاثة أشهر، وشارك المسلمون
في قداس الأحد.. فعلوا هذا لأنهم كانوا يعرفون أن الموت لا يفرق بين
مسيحي ومسلم، وأنهم إن قـُتلوا سيُقتَلون لمصريتهم ومطالبتهم بالحرية..
نظرية
المؤامرة ومصطلح "الثورة المضادة" الذي صار مصرحًّا به رسميًّا بعدما
أشار إليه الجيش.. وفلول النظام السابق -الذين على ما يبدو أنهم لم يفلوا-
كل تلك المسميات هي على ما يبدو الحطب الذي يؤجج نارًا تمسك في ثوب مصر
اليوم!
ما الحل؟.. مصر لا تحتاج مزيدًا من التحليل والشجب والاعتراض.. والأحداث تتصاعد ولا مستمع وسط الفوضى.
إذن ماذا نفعل؟ "نِطَقّ"؟! نموت وضغطنا يرتفع ونحن نشاهد مصر تحترق؟!
مؤامرة
نظام سابق، أم قَيْح داخلي أُهمل وبدأ ينزف؟ أم مخطط خارجي؟ هذه الإجابة
لن تفرق كثيرًا.. جاوبناها وعرفناها!.. "هتفرق في إيه؟ كسبنا صلاة النبي
زي ما بيقولوا بالبلدي". وعيسى نبي، ومحمد نبي، وكلنا مصريون..
نريد
حلولاً حقيقية.. نريد لتلك المهزلة أن تتوقف مبدئيًّا، وهذا لا يحتاج
توصية من مقال.. سيعمل الجيش على تكثيف الأمن والشد على يد الجميع، كما
سمعناه في تصريحاته.
هنا تحضرني فكرة بسيطة.. مصر منذ صدامها مع
جهاز الداخلية وحتى ما بعد الحكم على "العادلي" وما يتعلق بالأمن يسير من
سيء إلى أسوأ.. وكل مرة نلجأ إلى اللجان الشعبية..
لماذا لا يفتح
الجيش باب التطوع للشباب ويشكّل بنفسه لجانًا لحماية البلاد؟ شباب عاطل..
يتقاضى دخلاً ثابتًا لحماية وطنه ومنشآته من كنائس ومساجد وممتلكات خاصة
وعامة، ويتكثف وجود الأمن في كل مكان.. بدلاً من أن يجنّد فكرٌ ما ذلك
الشباب من أجل حرب أهلية تلوح المخاوف منها في الأفق.
ثانيًا،
أعتقد أننا كشعب ستأتي علينا مرحلة سننبذ فيها المتعصبين بأنفسنا، ونرفض
الصبغة الدينية المبالغ فيها التي لا تفيد الإسلام في شيء.. سنهاجم
بأنفسنا من يسيء إلى الآخر ويحفز الفتنة.. أيًّا كان هذا الآخر.. سنفعل
هذا لأننا لا نريد لبلادنا أن تحترق، ولا لسياحتنا أن تتوقف، ولا لأولادنا
أن يموتوا من أجل قضية لا نؤمن بها؛ فأنا واثقة تمامًا ودون تجميل
للحقائق بأنه لا مسلمين ولا مسيحيين في مصر يتمنى أحدهم قتل الآخر لمجرد
اختلاف الديانة.
ثالثًا، سنرى إلى أين ستسير بنا الأحداث والمخططات
التي تخدم أغراضًا بعينها، وفي طريقنا نحو ما تخطط له فئة بعينها من أجل
غرضٍ مّا ويدفع ثمنه شعبٌ بأكمله سيبلغ 90 مليون نسمة.. كل ما أطلبه منك
-إن كنت تتابع الأحداث باهتمام- أن تضع نفسك مكان الآخر وأنت تكلمه، أن
تخلع حذاءك وتقف في حذائه وتهدأ قليلاً وتفكر.. كي لا تترسب عندك أي
حساسيات تجاه أمر ما.. وكي ترى الأمور بأبسط طريقة ممكنة.. وكي تشرح
لأولادك الأمر بالطريقة الحيادية اللازمة، التي لن تخلق جيلاً متعصبًا أو
على العكس مهوِّنًا من أمر مهم.
وتذكر أن كلاً منا يقف في موضعه، ويرتدي حذاءه الذي يختلف عن حذاء الآخر، لكننا جميعا نتفق في أننا نقف على أرض وطن واحد هو "مصر".