البصق وحده لا يكفي فيس بوك وتويتر وغيرها من وسائل التواصل تحتوي جميعا على خانة تعبّر فيها عن نفسك
بقلم: أميرة الشربيني
فيس بوك، تويتر، تمبلر، ماسنجر.. وغيرها من وسائل التواصل تحتوي جميعا
على خانة تعبّر فيها عن نفسك ومكان لصورة لك.. تثبت وجودك وتخبر العالم عن
حالتك، ويعرفها مَن بالفضاء الإلكتروني، ويعزّز هذا شعورك بأهميتك؛ لأن
هناك من يعلّق أو يُعجب أو يعترض أو يعيد مشاركة ما كتبت.
في
عالمنا العربي الذي تحكّمت به أنظمة حكم ديكتاتورية لعقود طويلة، كان
التعبير عن الذات والشعور بأهميتها نوعا من أنواع الرفاهية.. ومن أنشأ تلك
المواقع بشر يمارسون تلك الرفاهية كنوع من أنواع الأساسيات.. وطالما
أذهلني تعطّشنا للتعبير عن ذواتنا والمشاركة بإفراط.. نحكي كل ما يقال وما
لا يهمّ كثيرا أن يُقال.. المهم أن نسمع لأنفسنا صوتا..
كنت أنتظر
ذلك اليوم الذي تتحوّل فيه ممارسة الحرية افتراضيا إلى أمر واقعي ملموس..
وثورة مصر الأخيرة هي أكبر واقع نتج عن ممارسة الحرية، رغما عن نظام
ديكتاتوري.
أسوأ ما تفعله بشعب هو أن تشوّهه فكريا.. تسلبه ما يمكن
أن ينير عقله بالثقافة والوعي.. وتغدق عليه كل ما هو مُسفّ وغير مفيد..
هذا ما فُعل بالمصريين لوقت طويل.
التعليم, وزارة الثقافة, ما
نشاهده بالميديا وما نسمعه. أين نحن من زمن كانت الأفلام تُقتبس عن روايات
لكتّاب عظام، والأغاني من قصائد لشعراء مبدعين؟
جيلنا المسكين..
كم شبّهته بوليد وُئد حيا عن عمد.. كلنا كنا تحت ركام من التراب.. لكننا
لم نمُتْ، وهذا الحال لم يردعنا.. فظللنا تحت التراب نبصق لنتكلم, ولا
يسمعنا أحد ويُهال علينا المزيد من التراب، فنعاود البصق ونقول من جديد.
كنا
تحت التراب يسمع كل منا الآخر.. من منا يستطيع أن ينسى ما كان ينتابنا من
جنون في الاستيتوس عند كل خطب جلل وكل المناقشات والمشاركات والجدل.. في
بيئة ديكتاتورية ومع نظام بدا سقوطه حلما مستحيلا، وأثناء الإعداد علنا
وببجاحة لتولي جمال مبارك الرئاسة كنا نحن نبصق التراب لنتكلم ونجاهد لئلا
نختنق.
وفي لحظة قدرية بحتة أراد الله للمعجزة أن تحدث، وأن يتغير واقع لم نصدّق حلمنا بتغييره.
لم
يكن التراب كافيا لدفننا تماما وخرجنا من تحت الركام.. وبعضنا لم يدرك بعد
أنه آن له أن يخرج.. لكننا وعلى ما يبدو لي ما زلنا نبصق..
في
متابعة عامة للأحداث وخصوصا أثناء الاستفتاء الأخير لاحظنا جميعا كون
الفضاء الإلكتروني هو المساحة الأهم لممارستنا التعبير عن الرأي.. وهذا
طبيعي.
لكن يجب أن يترسّخ في أذهاننا أننا لم نعد تحت التراب، وأن
هناك ما علق بنا بعد سنوات بالأسفل، وأنه قد آن الأوان لننفض ما علق ونغسل
آثاره، وهذا لن يتحقق إلا عندما نبدأ في الحدّ من البصق.. ليست الاستيتوس
ولا الشجب والاعتراض أو المشاركة هي كل ما يتاح لنا في تلك المرحلة.
نحن
بحاجة إلى أن نفكّر قبل أن نتكلم، وندرك أن التعبير عن ذواتنا لم يعد هو
غاية أملنا, أملنا صار رؤية ما نريد التعبير عنه بوضوح. وهذا يستدعي جهدا
ومحاولة تثقيف ونوعا من أنواع الصبر..
الاستيتوس التي كانت تنتقد
ما قبل الثورة صارت مجالا لانتقاد الثورة، أو التحذير من فشلها، أو
التنبيه للثورة المضادة.. عادت خطواتنا إلى تلك الانهزامية التي كنا نعاني
منها بالأسفل.
وفي هذا خسارة حقيقية لأهم مكسب قدّمته تلك الثورة،
ألا وهو الإيمان بأننا نستطيع وأنه لم يئدنا أحد.. وإن ظللنا نذكّر أنفسنا
بهذا دوما فسنصل لما أردنا حقا عندما نبشنا من أجل الصعود .