عقلك وعقلك وحده في مواجهة شائعات وكذب الإعلام لما يتبنى الناس عناوين بعض الأخبار والتي قد لا تدل بشكل كامل على مضمونها
مبارك مات.. حبس مبارك 15 يوما على ذمة التحقيق.. مبارك يهرب إلى السعودية.. مبارك في مستشفى شرم الشيخ.. مبارك في نيابة الطور.
خمسة
أخبار مختلفة ومتناقضة تصدّرت وسائل الإعلام حول نفس الشخص في نفس اليوم،
والذي تلا إذاعة التسجيل الصوتي لمبارك على قناة العربية، والذي جاء بعده
مباشرة قرار النائب العام بالتحقيق معه هو ونجلاه، وكأن مبارك أصبح سوبر
مان يستطيع الوجود بخمسة أماكن في نفس الوقت.
مفاجأة أخرى حدثت
لصديق لي عندما قرر أن يصدّق كل ما يبثه الإعلام، فقرر أن يجرّب حظه ويدخل
تركيا دون فيزا، كما صرح عبد الله جول الرئيس التركي عندما زار مصر لأول
مرة بعد قيام الثورة، ولم يحاول حتى التأكد من سريان هذا الإجراء وتفعيله
من السفارة التركية أو أي مصدر حكومي، وفي المطار قال له ضابط الجوازات لا
دخول لتركيا إلا بفيزا، وعندما حاول شرح موقفه وتصريحات عبد الله جول، قال
له الضابط بأنه لا يعرف أي شيء عن هذا الكلام!!
كم مرة سمعنا
رقما مختلفا حول أرصدة مبارك وعائلته وحاشيته، وكم مرة تصدّر الأخبار خبر
عن مصادرة هذه الأموال بالخارج، ثم نجد ما ينفي أي شيء يتعلق بهذا الأمر.
بعض
الدول هي الأخرى بدأت في الترويج لشائعات، بهدف إعلان علاقتها مع الثورة
المصرية، كشائعة السفير الإيراني في مصر، والذي قام بتكذيبها على الفور
وزير الخارجية المصري.
مع اندلاع الثورة شهدت مصر كمية غير مسبوقة
من الشائعات، ولا أظنها ستتكرر في تاريخها مرة أخرى، وأخذت كل جهة إعلامية
في الترويج لشائعات مختلفة حيث تتسق مع سياسة تحريرها وأفكارها
وتوجّهاتها، ولم يكن جديدا علينا أن نجد هذا التوجّه من القنوات والجرائد
المصرية والعربية.
ولكن الغريب هو تبنّي بعض الأشخاص من المشاهير
بعض هذه الشائعات، ووضعها على حساباتهم بفيس بوك أو تويتر، أو التفوّه بها
في مداخلاتهم التليفونية أو حتى لقاءاتهم التليفزيونية والتأكيد عليها،
وأحيانا القسم على أنهم رأوا ما يحدث بأم أعينهم! فيتم نقلها عنهم وكأنها
حقائق مؤكدة، فإذا بنا وبعد لحظات معدودة نجد ما ينفيها أو يثبت عدم
صدقها، وبالتالي تبدأ مصداقية ذلك الشخص الشهير في الترنّح والسقوط، كذبة
وراء كذبة، وشائعة وراء شائعة.
ورغم أنه لم يكن جديدا على الصحافة
المصرية التوجيه أو الانتقاء أو التحيّز في كتابة الأخبار، فنحن مشهورون
بالتوابل والبهارات التي تجعل الخبر مشطشط على طريقة عربيات الكبدة، فيقبل
عليه الجائع دون أن يفكّر في مكوناته التي قد تكون فاسدة ومنتهية
الصلاحية!!
ولكن الجديد كان في صناعة أخبار من الهواء، حتى دون أي
مصدر أو تصريح أو حتى أساس من الصحة، ونشرها ببجاحة منقطعة النظير، على
طريقة "بيقولوا" طب سيادتك هما مين اللي بيقولوا؟؟؟ فلا تجد أي ردّ.
وهنا سيطر على صناعة الإعلام الأشخاص الأكثر خيالاَ، فظهرت أخبار
أشبه بحواديت "أمّنا الغولة " تصف ما يحدث في مصر بعد الثورة، فسموها
"الثورة المضادة".
والسؤال هنا: لما يتبنى الناس عناوين بعض هذه
الأخبار والتي قد لا تدل بشكل كامل على مضمونها؟ ولماذا يتخذ القراء
مقالات الرأي أو تصريحات فلان أو علان على أنها حقائق واقعة؟ مع أن هذا
غير صحيح؛ فهي مجرد رأي، مجرد تصريح، وليس له أي معنى سوى عند من يتفوّه
به أو من يصدّقه، وتصديقك له هو ما يمنحه قوته وسلطانه.
طب الحل إيه؟ نصدّق مين؟
صدّق عقلك..
يعني إيه؟
يعني
يجب أن نفكر وأن نحلل الأفكار والأخبار بأنفسنا لنكتشف الحقيقة، في فيلم
"خلّي بالك من زوزو" هناك جملة عبقرية كتبها السيناريست الجميل.
صلاح جاهين تقول:
"أي واحد يقول لي أي كلام لازم أعرف هو
مين أولا.. عشان أعرف هو بيقوله ليه؟ عايز يستعرض معلوماته.. ولا عاوز
يسخّف معلوماتي.. ولا عاوز يرضي بعض الناس.. ولا عاوز يعقدني وخلاص، ولا
هو فعلا يهمه إني أستفيد! فلما أعرف أنت مين؟ على طول أعرف عاوز إيه!".بمنتهى
الحكمة لخّص جاهين ضرورة معرفة المصدر سواء كان شخصا أو جهة، وبعد معرفة
مصدر الخبر والتأكد من مدى مصداقيته، تأتي محاولة تحليل دوافعه، وبالتالي
سيدرك عقلك أتوماتيكياً، مدى مصداقية الخبر.
ومن الأفضل ألا تشكّ
في مصداقية عقلك ولا تعطيه لغيرك ليفكر بالنيابة عنك، وتكتفي بأن تكون
مجرد بوق يردد ما يقوله الآخرون بلا اقتناع أو تفكير، أرجوك إياك
والانسياق وراء شيء عقلك غير مؤمن ولا مقتنع به.
صديقي القارئ.. عقلك هو الشيء الوحيد الباقي لك، في زمن الجنون الذي نعيشه، فخلّي بالك من عقلك.