الإخوان بين الكلاب التي تعوي والقافلة التي تسير! لست ضد الإخوان.. ولكني أطالبهم بالعمل والوضوح والحوار
أنا سعيد جدا بالهجوم الحاد الذي يتعرض له
الإخوان على جميع الأصعدة في الوقت الحالي.. ليس لأني ضد الإخوان، ولكن
لأنه سيدفع الجماعة دفعا إلى الممارسة الحقيقية للسياسة، والتخلص من
الأمراض الثلاث:
- اللعب على وتر التعاطف.
- مبدأ الكلاب تعوي والقافلة تسير.
- إنشائية الخطاب السياسي.
وتر التعاطف
للحق
نشهد أن الإخوان المسلمين دفعوا ثمنا لم يدفعه أحد في صفّ المعارضة
المصرية على طول التاريخ الحديث؛ فالإخوان سُجنوا وعُذّبوا، وأوذوا في
سبيل مواقفهم وصلابتهم، هذا حق لا جدال فيه، ولكني أرى أن الإخوان قد
أخذوا مقابل ذلك الاضطهاد، وهذا المقابل جاء على عدة أشكال:
أولا: الأجر من الله الذي ينشدونه، والثواب الجزيل الذي يعملون لأجله إن خلصت النيات.
ثانيا: انضمام الآلاف وتأييد مئات الآلاف وتعاطف الملايين، حتى قويت الجماعة واشتد عودها.
ثالثا: حافظت على كيانها، واكتسبت صلابة نجّت سفينتها من التحطم على صخور الطغاة، في حين سقطت تشكيلات أخرى كثيرة.
والآن..
وقد هدأ البحر، واستقرت سفينة الإخوان بجوار غيرها من السفن، في بحر هادئ
لا تعاندهم فيه أمواج ولا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، هل يتوقف
الاعتماد على التعاطف ويبدأ عهد جديد قوامه الاضطلاع بمهمة الإنجاز
والإعداد الفعلي للبناء؟ لا أقول إن الإخوان لم يكن لهم دور مسبقا في
البناء ولا إنهم كانوا يستغلون تعاطف الشارع معهم، ولكن المواطن الذي كان
يعطي صوته لمرشح الإخوان نكاية في الحزب الوطني أو تعاطفا مع المضطهدين لن
يعطي صوته له الآن، بل سيفكّر فيمن يستطيع بجدّ أن يحمل الأمانة، وينهض
بها ويحقق تميزا وتقدما وإنجازات ملموسة. فهل الإخوان مستعدون إلى
الانتقال لدور البناء؟ الإجابة عن هذا السؤال ليست شفهية مطلقا.
الكلاب لم تعد تعوي
ثورة
25 يناير التي كان للإخوان فيها نصيب كبير من العرق والدم أسقطت كل الكلاب
التي ظلت عمرا تعوي، فهل يمكن للقافلة الآن أن تسير؟ أعني بهذا المثل أن
معوّقات الجماعة عن العمل -وقد كانت معوقات حقيقية- انتهت تقريبا بعد نجاح
ثورتنا المباركة، وهو ما يجب أن ينعكس على الأداء السياسي والتعاطي مع
الآخر بصورة أكثر عملية، فلم يعد كل مهاجم كلبا يعوي ويجب أن نلقمه حجرا،
بل إن وقوف الجميع على قلب رجل واحد أياما وأسابيع وهتافاتهم وتضحياتهم
لتحقيق مطالب الثورة والحفاظ عليها يؤكد أن أي نقد أو لوم أو توضيح أو
دعوة تأتي في صلب القضية الوطنية، وتشكل رغبة حقيقية في الاستيضاح من أجل
التعليل أو التعديل.
وبالتالي فالفترة الحالية يجب أن تكون فترة
استماع وتحليل وإصغاء للآخر وإدراك لرسائل الشارع ورؤاه ومقترحاته، يجب أن
تنتهي حالة التعتيم أو التكتم التي تمارسها الجماعة، على الأقل بخصوص
القضايا العامة، فمن حق الشارع أن يعرف من هم الإخوان وماذا يريدون..
ولماذا فعلوا كذا ولماذا رفضوا كذا.. هذا حقه؛ لأن هذا مستقبله أو جزء من
مستقبله.
وفي هذا السياق أؤكد ضرورة وجود صياغة إعلامية حقيقية
وسليمة تعبر عن فكر الجماعة وتشرح خطواتها، وتوضح للجماهير والمتابعين
نشاط الجماعة وأسبابه وأهدافه، وتقدّم إجابات شافية لأسئلة كثيرة يطرحها
الشارع.. ربما كان الإخوان على حقّ بخصوص نقاط عدة، ولكن لأنهم أغلقوا على
مبرراتهم صدورهم اتهمهم الشارع بسوء النية، وبرر تصرفاتهم على عكس ما
يريدون.. فهل يسعى الإخوان إلى أن يكونوا أكثر وضوحا، وينتجون منابر
إعلامية ومتحدثين رسميين يقنعون الشارع والنخبة بفكرهم ويدخلون إلى عقول
الجماهير؟ هذا السؤال أيضا سؤال تحريري لا شفوي.
إنشائية الخطاب السياسي
معظم
من انتقد برنامج الإخوان المسلمين السياسي انتقده لسبب واحد؛ ليس لأنه
يتعارض مع مضمون أفكاره الخاصة؛ لأن هذا طبيعي؛ فمن الضروري أن يكون هناك
ليبرالي ويساري وإسلامي وعلماني، وهذه التعددية الفكرية والمنهجية تنتج
تعددية سياسية محمودة وتصبّ في صالح الوطن، ولكن النقد كان موجها بالأساس
إلى "كيف؟" فالإخوان في معظم القضايا مطالَبون بأن يتبنوا سياسات واضحة لا
لبس فيها، تعتمد على مصطلحات محددة لا تحمل دلالتين، أما الخطاب الفضفاض
الهلامي فهو لا يعبر عن رؤية سياسية بقدر ما يعبّر عن ضبابية.. فإذا كان
الإخوان يمتلكون بالفعل برنامجا -وهم بالتأكيد لديهم- فيجب أن يُصاغ بصورة
سياسية واضحة ومحددة لا لبس فيها. قل "نعم" أو "لا"، ولا تقل "ربنا يسهّل".
هذا
الوضوح والانكشاف يجعل الانتماء على بصيرة ويجعل المعارضة أيضا على بصيرة،
وهنا يجب أن نلفت النظر إلى أن الانتماء السياسي يختلف عن الانتماء
الدعوي، فالحديث الآن حول السياسة، بصورة تجعل المنتمي -وإن كان على غير
الإسلام نفسه كدين- ينتمي إلى مجموعة مبادئ سياسية يطرحها مشروع سياسي
اسمه الإخوان المسلمون، والمعارضة لا تعني الكفر بحال؛ بل تعني معارضة
مجموعة آليات للحكم والإدارة تقدّمها جماعة الإخوان المسلمين.
الأيام القادمة هي أيام بناء، وأظن أن البناء يجب أن يكون على أرض صلبة، فلنتأكد أولا من صلابة الأرض حتى لا ينهار البناء كله.