أسامة بن لادن ونظرية البلطجي والأنتي بلطجي لو وجّه بن لادن طاقته لقتال الاحتلال الإجرامي في فلسطين لعذرناه وناصرناه
معظمنا يختلف مع بن لادن على مستوى ما، ولكن تبقى لدى طائفة من الناس
درجة من الإعجاب؛ فمن العرب والمسلمين من يحب بن لادن على مستوى ما، أو
يعجب به بدرجة ما قد تزيد فتصل لحدّ تبني فكره، وقد تقلّ فتنحصر في حب
القوة كما نحب أبطال الأكشن الأشرار، والأب الروحي نموذج لهذا الحب.
هكذا كانت حال المعجبين بابن لادن - المعجبين به كمشاهدين لا كمستهدفين،
وإن كانوا مستهدفين أيضا على مستوى ما؛ فما التشويه البالغ الذي التصق
بصورة الإسلام، والأذى الذي لحق بأتباعه في الغرب والشرق إلا نتيجة شارك
فيها تنظيم بن لادن بدرجة كبيرة.. فلقد نقل بن لادن الإسلام إلى خطّ
المواجهة، ومثّل قوة عنيدة على التحطيم، أرهبت الغرب كله، والكثير من
الشرق، وساهمت في تأخّر أسهم الإسلام دين الوسطية أن يصل قلوبا لا تعرف
عنه إلا فوهة بندقية بن لادن وأتباعه، ومنح فرصة ذهبية لإعلام مضلل أن
يعمّم حالة بن لادن على الإسلام كله، فيلصق بالدين ممارسات منتمين إليه
بتجنّ وسوء قصد واضح لا يخفى.
كان بن لادن ممثلا حقيقيا لنظرية
البلطجي والأنتي بلطجي (البلطجي الضد)؛ فوقف في وجه أمريكا بوش، ومَن
قبله، وأوجع الأمريكيين ضربا وقتلا وتفجيرا، منذ أوائل التسعينيات من
القرن الماضي، وعلى الرغم من ذلك لم يغضب بعض العرب كثيرا مما يفعله بن
لادن بجنود أمريكا الذين يعسكرون في بحارهم، وتخندق قواعدهم في قلب أرض
العروبة والإسلام، لكن الغالبية غضبت من قتل ثلاثة آلاف مواطن أمريكي بريء
في برجي مركز التجارة العالمي في قلب نيويورك.. بدا بن لادن وقتها وحيدا
عن كل نصير، وبدأت القاعدة تخسر أسهمها عند أهلها الذين تدّعي انتماءها
إليهم ودفاعها عنهم، ذلك أن بن لادن بذلك التفجير لم يعد مقاوما أو مقاتلا
أو باحثا عن حقوق أمة تنهشها الذئاب منذ ما يقارب قرنا من الزمان، بل أصبح
إرهابيا يقتل الأبرياء ويستهدف المدنيين المسالمين العزّل، فقدت القاعدة
أسهمها وظلت تهوي وتهوي.
لم يشفع صلف أمريكا بوش لأسامة بن لادن،
فالبلطجي الإرهابي الشرعي (بوش) طغى وعاث في الأرض فسادا، وسفك من الدماء
أضعاف ما سفكه بن لادن بجهله وإرهابه.. ولكن مع ذلك لم يعد عربي مسلم عاقل
يقتنع بفكر بن لادن ولا طريقته في ممارسة الجهاد، فللجهاد في الإسلام
قواعد وأصول وضوابط، ولم يوفّق بن لادن في اختيار الطريق السليم للجهاد،
فلو وجّه الرجل طاقته لقتال الاحتلال الإجرامي في فلسطين أو وجّه بنادق
أتباعه إلى صدر من يستحق النار لعذرناه ولاكتسب التأييد، ولكنا ساعتها قد
ترحمنا عليه عند وفاته، على الأقل من باب أن الميت لا تجوز عليه غير
الرحمة. ولكنه خرج بقاعدته عن القاعدة ولم يزد أمريكا إلا قوة وعنفوانا،
ومنحها مبررات مثالية في توسيع نفوذها واستنزاف البلاد وحصد أرواح
العباد.. ..
أما السؤال عن مستقبل القاعدة بعد بن لادن فلهذا
محللوه وخبراؤه، وإن كنت أظن أن القاعدة قد هُزِمت قبل قتل بن لادن..
هُزِمت القاعدة حين أثبتت الثورات العربية المتتالية أن العنف ليس السبيل
الوحيد للتغيير وإقامة الحق على أنقاض الباطل، هزم فكر العنف حين أثبت
الرفض السلمي وعبر القنوات المشروعة أنه قادر على تغيير المعادلة.. هُزِمت
القاعدة حين ارتقى الوعي وبدا أن العنف لا يبرر العنف ولا يولّد إلا عنفا
بالمقابل..
ولكن رغم كل ذلك فهل هناك تفسير لهذا الحزن الذي ألمّ
بالكثيرين حين فاجأهم خبر مقتل أسامة بن لادن زعيم ومؤسس تنظيم القاعدة؟
بن لادن بتنظيمه الإجرامي أثار الكثير من الخراب في العالم، وأضرّ
بالإسلام والمسلمين ومصالحهم في الشرق والغرب، فهل هذا التأثر إعجاب، أم
إن هناك حالة ما من الانتماء للجنس والدين، وخاصة أن موته جاء نتيجة عملية
اغتيال، فهل هكذا تنتهي الأساطير دوما؟ والأخص أن من قام بالعملية هو قوة
أمريكية خاصة، فهل في ذلك ما يثير الحنق؟
ماذا كان شعورك بعد علمك بمقتل أسامة بن لادن: