موضوع: أفلام الحافظة الزرقاء.. المخبر السبت أبريل 30, 2011 2:11 am
أفلام الحافظة الزرقاء.. المخبر
الفيلم من إنتاج عام 1972 فلا تخلط بينه وبين النسخة الحديثة
لست ناقدًا سينمائيًا؛ لكني أعرف جيدًا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلاً... أعرفها وأحتفظ بها جميعًا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها من يحب.
لا توجد في هذه الحياة الدنيا حقائق مطلقة، ولا يوجد عباقرة.. كلنا مخدوعون واهمون، وكلما توهمنا أننا أذكى من الآخرين وأننا نمشي على جادة الصواب، اكتشفنا أن هذا جزء من لعبة يمارسها شخص آخر أذكى منا. هذا هو تقريبًا ما يريد فيلم "المخبر" أن يقوله لنا، لكنه يخبرنا به عن طريقة قصة (تبدو) بوليسية.. وعن طريق مباراة أداء مذهلة بين ممثلين عظيمين هما لورانس أوليفييه ومايكل كين.. ممثلان بريطانيان استحق كل منهما لقب "سير".
عرفتُ الفيلم من مقال للراحل سامي السلاموني، ومعلوماتي أنه عُرض فقط في نادي سينما القاهرة عرضًا خاصًا، لكن صديقًا لي أكد أنه شاهده في السينما في طفولته. على كل حال رأيته فيما بعد في برنامج نادي السينما بالتلفزيون مع الرائعة درية شرف الدين، وانبهرت به.
مخرج الفيلم هو جوزيف مانكوفتش الذي قدم قبل ذلك أفلامًا مثل "كليوباترا"
الفيلم من إنتاج عام 1972؛ فلا تخلط بينه من فضلك وبين النسخة الحديثة التي عُرضت عام 2007، والتي قدمها كنيث براناه. لم أر الفيلم الجديد فلا يمكن أن أزعم أن القديم أفضل، وإن كنت أميل إلى هذا الرأي على كل حال.. الفيلم الجديد كتب السيناريو له هارولد بنتر -الكاتب الحاصل على جائزة نوبل- مما يجعله جديرًا بالمشاهدة..
أخرج الفيلم مخرج مهم جدًا هو جوزيف مانكوفتش الذي قدم قبل ذلك أفلامًا مثل "الكونتيسة الحافية" و"كليوباترا". أما السيناريو فهو للكاتب المسرحي الكبير أنطوني شيفر الذي كتب سيناريو أفلام مثل "الجنون" - "رجل الخيرزان" - "قتل في قطار الشرق السريع" - "الموت على النيل".. والفيلم عن مسرحية له.
هنا يتكلم شيفر عن تجربته مع الفيلم
إضغط لمشاهدة الفيديو:
يخبرنا الفيلم في التترات أنه من بطولة ثلاثة ممثلين؛ هم لورانس أوليفييه ومايكل كين وأليك كوثورن. الحقيقة أنه من بطولة رجلين فقط، لأننا نكتشف في السياق أن أليك كوثورن هو مايكل كين نفسه.. وينزع قطع الماكياج المذهل أمامنا قطعة قطعة!
القصة تدور في مكان واحد تقريبًا.. هناك كاتب قصص بوليسية ثريّ اسمه وايك -يلعب دوره لورانس أوليفييه- يعيش وحده في قصر جدير بالقصص.. الحديقة على شكل متاهات معقدة، والبيت نفسه مليء باللعب الميكانيكية التي تبعث الرعب في القلوب.. معظم هذه الألعاب بحجم الإنسان. صمم ديكورات القصر كين آدام -مصمم المناظر الأسطوري- الذي عرفناه من أفلام جيمس بوند.
المؤلف واقع في حب فتاة فنلندية، وهو متزوج لكنها زيجة تعسة فعلاً، وهو يعرف جيدًا أن زوجته واقعة في قصة حب مع الكوافير الخاص بها.. وهو فاتن نساء من أصل إيطالي يلعب دوره (مايكل كين).. غريب أن يلعب مايكل كين البريطاني جدًا جدًا دور رجل إيطالي، لكن هذه الأمور لا تضايقنا طبعًا بينما هي تغيظ الغربيين.
شاهد هذا الجزء هنا
إضغط لمشاهدة الفيديو:
إن المؤلف يدعو الكوافير الإيطالي الوسيم إلى داره.. والهدف هو الانتقام منه ووضعه في لعبة عقلية قاسية. يقترح على الكوافير الإيطالي أن تكون المنفعة مشتركة بينهما، باعتبارهما رجلين ناضجين ويفهم كل منهما الآخر.. الكوافير سيسرق بعض المجوهرات الثمينة من القصر لينفق منها على الزوجة.. وفي الوقت نفسه سوف يستفيد المؤلف بمبلغ التأمين على المجوهرات. بعد لأْيٍ يقتنع الكوافير بهذه الحيلة المزدوجة ويتنكر ويتسلل إلى البيت من الخارج ليجعل السرقة مسبوكة أمام الشرطة، فتكون النتيجة هي أنه وضع نفسه بالضبط في موضع اللص.. ويصير من حق المؤلف أن يطلق عليه الرصاص لأنه لص تسلل إلى داره!
شاهد هذا الجزء هنا
إضغط لمشاهدة الفيديو:
بعد يومين من هذا يتلقى المؤلف زيارة من مفتش في سكوتلانديارد اسمه دوبلر.. يبدو لنا أنه الممثل المجهول المذكور في تترات الفيلم باسم أليك كوثورن. المفتش يحقق في اختفاء الكوافير الإيطالي.. يخبره المؤلف ضاحكًا أنه لعب لعبة قاسية مع الكوافير، وفي النهاية أطلق عليه الرصاص فعلاً لكنه رصاص فشنك.. أي أنه جعله يعيش كل أهوال الموت دون أن يموت، ثم أطلق سراحه! لكن الأمور لا تبدو بهذه البساطة للمفتش.. هناك آثار طلقات.. هناك دم على السلم.. هناك اختفاء غير مبرر للكوافير.. هناك دافع الغيرة.. أنت مقبوض عليك يا سيدي بتهمة قتل الكوافير. لقد وجد المؤلف نفسه في مصيدة محكمة.. وسرعان ما يقيده المفتش بالأصفاد..
في اللحظة التي يوقن فيها المؤلف أنه ضاع، يبدأ المفتش في نزع الماكياج ببطء.. وهنا نكتشف أنه الكوافير مايكل كين ذاته!..
شاهد هذه اللقطة الرائعة هنا
إضغط لمشاهدة الفيديو:
الآن تتضح جوانب الصراع بين الشخصيتين. المؤلف الثري يحتقر الكوافير ذا الأصل الإيطالي بشدة، لكنه كذلك منبهر بكونه استطاع أن يخلب لب زوجته. الكوافير يحتقر المؤلف الثري المترف الذي لا يصنع شيئًا حقيقيًا في الواقع. هكذا سيكون على الرجلين خوض صراع عقلي لا ينتهي.. عشرات الألعاب والدعابات العملية المتقنة فعلاً.. وفي كل مرة تبدو اللعبة متقنة بطريقة (يبدو أن الأمر حقيقي هذه المرة) مما يثير الرعب في نفس اللاعب.
مثلاً يقنع الكوافير المؤلف بأنه عرف عشيقته الفنلندية وأقام علاقة معها، ثم قتلها ودفن جثتها.. لكنه ترك في القصر علامة سوف يجدها رجال الشرطة بسهولة ويتهمون المؤلف بقتل عشيقته. هكذا يبحث المؤلف عن الدليل في جنون وبسرعة قبل وصول رجال سكوتلانديارد.. وما إن يتخلص المؤلف من الدليل حتى يدرك أنها لعبة أخرى قاسية.. إن الفتاة الفنلندية حية ترزق..
تتصاعد اللعبة وتحيرنا معها، وإن كان هناك كثير من الافتعال في الواقع؛ فليس الفيلم بلا ثغرات وأحيانًا يكون مملاً..
وفي النهاية يفقد المؤلف أعصابه ويقتل الكوافير، بينما يصل رجال الشرطة، وترقص كل الدمى العملاقة في القصر رقصتها العبثية المجنونة..
يقول الكوافير وهو يحتضر: - "فقط تذكر أن هذه مجرد لعبة دموية مسلية"!
وينتهي الفيلم وقد خسر الجميع.. الليلة لا يوجد فائزون..
كان استقبال الفيلم إيجابيًا جدًا لدى النقاد، ورُشح لجوائز أوسكار عديدة لكنه لم ينلها، وإن نال أوليفييه جائزة نقاد نيويورك.
في الفيلم الجديد الذي عرض عام 2007 يلعب مايكل كين دور المؤلف، بينما يلعب جود لو دور الكوافير.. طبعًا اسم (هارولد بنتر) يجعله جديرًا بالمشاهدة..
إن الفيلم درس ممتاز في كتابة السيناريو، وفي اللعب بالمُشاهد، وفي استغلال المكان الواحد خير استغلال.. كما أنه يخبرنا بشيء كنا نعرفه جيدًا: نحن لسنا بالبراعة التي نحسبها!
كان هذا الفيلم فيلمًا آخر من أفلام الحافظة الزرقاء.