ضباط الجيش المنشقون ابتزوا الشباب عاطفيا لحمايتهم.. والشباب تصرّفوا بشهامة المصريين دعاء حسين الشبين
هناك فصيل من الثورة المضادة يحاول إفشال العلاقة بين الشعب والجيش
في حلقة "العاشرة مساء" أمس (السبت) وعلى ضوء الأحداث التي جرت فجر أمس
في ميدان التحرير؛ جرى حوار موسّع لمحاولة اكتشاف ما حدث في الميدان،
وتفسير ما يجري في مصر الآن على ضوء ذلك، ضيوف الحلقة: عمار علي حسن أستاذ
العلوم السياسية، وعصام العريان عضو جماعة الإخوان المسلمين، والمفكّر
عمرو حمزاوي، وعضو ائتلاف شباب الثورة ناصر عبد الحميد.
وقد بدأ
د. عمار علي حسن حواره قائلا: "أقلقني وجود ضباط على المنصّة أمس في جمعة
التطهير؛ فالجيش حمى الثورة، وهو وكيل مؤقت على الثورة، وهو أقرّ بالشرعية
الثورية، ونتعامل مع المجلس العسكري وإن كان هناك ملاحظات أو اعتراضات أو
إلغاء شكوك من تحوّل إلى انقلاب.. فإحنا مش ناقصين 12 ضابط لديهم مشاكل
يحملون الثورة أعباء".
وأكّد عمرو حمزاوي أنه كان متفائلا باليوم،
ولم يزعجه أي شيء صباحاً؛ بل شعر أن اليوم استعادة لروح ما قبل 11
فبراير.. حتى حدث ما حدث!!
أما ناصر عبد الحميد فقد غادر الميدان
حوالي الساعة 2 أو 2.5 مساءً، وأن مشهد فضّ الاعتصام كان مشهدا مأساويا،
وأوضح ما حدث قائلاً: "الشرطة العسكرية طالبوا باستلام الضباط المتواجدين،
ولكن الضباط طالبوا بحمايتهم، ولذلك التفّ الناس حولهم، وهم في المنتصف،
ولذا كان طريق الشرطة العسكرية للوصول إلى الضباط عبر أطراف دائرة الشباب
للوصول إلى المنتصف حيث الضباط وهو ما أحدث احتكاكات".
الضباط بعضهم على قوة الجيش وبعضهم مفصولوشرح
عصام العريان ما حدث بأنه بمجرد ظهور الضباط أراد الجيش أن يأخذهم، ولكن
المنظمين طالبوا بترك الأمر حتى إنزالهم من المنصة كي لا يحدث شغب، ووافق
قائد الشرطة العسكرية على إرجاء القبض عليهم.
وأضاف: "يجب أن نفهم
طبيعة الجيش؛ فقد صدر أمر عسكري بالقبض على الضباط وهم سيُنفّذون
الأوامر.. أرى أن هناك من دفع هؤلاء الضباط إلى أن يحضروا للميدان، وأن
يعتصموا وأن يفعلوا كل ما فعل".
وأكّد الحضور أن هؤلاء الضباط بعضهم فُصِل من القوات المسلحة، وبعضهم على قوة الجيش.
وقد شرح د. عمار أن الجيش قد خرج منذ عام 1962 من دائرة السياسية، ومن يحاول إدخاله في السياسة يُخطئ خطأ كبيرا.
وقد
أكّد ناصر عبد الحميد أن استخدام العنف بهذا الشكل ليس حلا.. وأضاف: "لا
يعنيني تفاصيل الأمر، ولا الضبّاط، ولا خلفيتهم، ولكن يعنيني أسلوب الحل
والعنف الذي حدث، وأدّى ذلك إلى وجود اعتصام جديد في الميدان اليوم".
وأكمل:
"حدثت انتهاكات كثيرة في الفترة السابقة قرّر المجلس قوانين إحنا مش
موافقين عليها، وكذلك الإعلان الدستوري نحن لا نوافق على بعض مواده، وهناك
تباطؤ وعلى ضوء هذا حدث ما حدث".
وأضح د. حمزاوي: "المطلوب ضبط
النفس وعدم استخدام العنف، والتأكيد أنه من حقّ المؤسسة العسكرية حماية
تماسك مؤسساتها وعلى المواطنين أن يساعدوا المؤسسة، ولن يسمح أي جيش بأن
يقوم ضباط بالانفصال عنهم والذم بهم في الميدان، حتى الجيش الأمريكي لن
يسمح بذلك".. كما أكّد حمزاوي على ضرورة محاسبة المسئول عما حدث أمس..
وقال
ناصر إن ما بينهم وبين المجلس الأعلى خلاف وليس صداما؛ فالمجلس الأعلى
الآن جهة سياسية تدير البلاد لذا عليها أن تقبل الأخذ والرد، أما الجيش
فمؤسسة ذات وحدة متماسكة ونؤكّد على وحدتها.
الشعب هتف في الميدان: "الشعب والجيش إيد واحدة"
كل الأطراف أخطأت في التعامل مع اعتصام التحريروأوضح
بعض الحضور أن التصرّف في الموقف أمس لم يكن حصيفاً من كل الأطراف؛ فقوى
الثورة لم تدعُ للاعتصام، ولكن مَن بقوا كانوا نتيجة للإنزعاج من التباطؤ
في اتخاذ الخطوات الحاسمة من جهة المجلس الأعلى، وعن حماية الضباط فأكّد
بعض الحضور أنه أمر غير منطقي، فنحن كمدنين لا نحتاج أحد الآن أن يتضامن
معنا كنا نريدهم يوم الأربعاء الدامي والشعب يموت.
وقد أثير
التساؤل لماذا الانفراد في الأداء من قبل المجلس الأعلى؟ فلماذا لم يستدعِ
المجلس عصام شرف على سبيل المثال للتحدّث مع الشباب وطلب فضّ الاعتصام؟؟
أو مكالمة شخصيات عامة ويدعوهم للحديث مع الشباب بدلاً من استخدام العنف.
لذا فحقنا للدماء ولعدم اتساع الأمور والحفاظ على تماسك مؤسسة الجيش عليهم
أن يتوصلوا مع أفراد من الثورة لفض الميدان وعدم فضه عنوة.
كما أوضحوا أنه يجب أن يفهم المجلس الأعلى أن شعب الآن في حالة ثورة وهو يختلف عن انضباط الجيش الذي اعتاده المجلس الأعلى.
وأكّد عصام العريان على هذه النقطة، موضّحاً أن الجيش لديه قرارات حسم، أما المدنيون فيأخذوا وقتهم..
وأوضح
حمزاوي أنه من باب الأمانة يجب التأكيد أن الموقف الذي تعرّض له المجلس
الأعلى بخروج الضباط علنا على المسرح بزي رسمي لانتقاد المؤسسة العسكرية؛
كان موقفا عسيرا، ويجب حسم الأمر بشكل سريع.
الضباط المنشقون تمّ إصعادهم عنوة إلى المنصةوفي
مداخلة هاتفيه مع الصحفي حسين عبد الغني أوضح أن: "الصورة لا تكذب، ولو
لاحظني الضباط تم تصعيدهم من أسفل وليس عبر سلم المنصة.. والكل كان على
المنصة يقول إن هناك مشكلة، ولقد تحدثت وقلت لهم هذه ثورة مدنية، ولا
تستطيع ثورة مدنية محترمة إلا أن ترحّب بأي مواطن مصري ينضم إليها ولكن
بملابس مدنية، لذا من فضلكم ارتدوا ملابس مدنية وعودوا.. قد تكون لنا
ملاحظات على أداء المجلس العسكري كإدارة تشريعيه تدير مصر الآن أي كسياسي
وليس كعسكريين.. لذا قلنا لضباط أمس نحن لا نقبل تمرد في الجيش".
وعند سؤاله عن فكرة أن من يقول الآن "لا نريد شقاق في الجيش" يتم نقدهم واعتبراهم ينافقون الجيش.
أكّد
عبد الغني أن "الجيش المصري جزء لا يتجزّأ من الشعب المصري.. والشعب هو من
أطلق شعار الشعب والجيش إيد واحدة.. فهناك محاولة من فلول الحزب الوطني
للوقيعة بين الشعب والجيش، ولكن المجلس أعطى الفرصة بفض الاعتصام بالقوة
لهذه الوقيعة".
وأضاف: "أسر ابني وزملائه لا يجب أن يتم التعامل
معهم كأعداء.. وعصام شرف قطع وعد بأن يتم الإفراج عن شباب التحرير الذين
لا علاقة لهم بالعنف.. فهذا الشباب لا يريد إلا مصر حرة ولا يجب أن نصل
لأزمة سياسية بين الجيش المصري والشعب المصري".
وأضاف عصام
العريان: "الشباب المقبوض عليه لا ذنب لهم فهؤلاء قدروا الضباط لأنهم ضباط
جيش.. ولأن الضباط طلبوا الحماية وابتزوهم عاطفياً فتصرفوا بشهامة
المصريين".
وقد ضرب د. عمار مثال على بعض المزايدات التي تحدث هذه
الأيام كما حدث في المؤتمر الصحفي الذي أجري صباح اليوم، فقال: "تمت
المزايدة على كلامنا وكانت هناك محاولة للوقيعة.. وأخذ البعض يقول إنتم ما
شفتوش بركة الدم والناس اللي ماتوا والعنف اللي حدث، والحقيقة أنه كان
هناك عنف، ولكن أن نتكلم بهذه المزايدة وهذا الشكل.. وأن أبحث أن الموجة
راحة فين وأمشي معاها، ومن ضد الموجة يبقى منافق وهذا هو الخطأ".
عمرو سليم شاهد عيان من داخل الميدانوفي مداخلة
هاتفيه أخرى لعمرو سليم -رسام الكاريكاتير الشهير- أوضح سليم أنه هبط إلى
الميدان اليوم مرتين ليحاول الحوار مع المعتصمين، وتوضيح الأمور لهم،
ومعرفة وجهات نظرهم.. وأضاف: "وجدت تخبّطا غريبا جدا؛ فالجيش لديه خط أحمر
ممنوع الاقتراب منه في الوقت الحالي.. ولكنني وجدت عندما دخلت بينهم ناس
بتهتف بإسقاط المشير.. ثم إسقاط سامي عنان وأشكال لأول مرة أراهم واقفين
يضحكون، وأشك أنهم يعرفون سامي عنان من الأساس".
وأكمل سليم شهادته
على ما يحدث بالميدان: "قابلنا شاب من الائتلاف؛ فأخبرني أنه يقول نفس
الكلام عن نزاهة الجيش وموقفه من الثورة، ولكن المعتصمين بيخونني.. ثم
فوجئت بعد الساعة 5 عند عودتي للميدان أن العدد زاد إلى حوالي 5000 فرد،
وهناك صحفيون حاولوا تفهيم الناس أن الجيش خط أحمر.. نجد الرد لا لازم
نغير المجلس وفي فساد في الجيش، ومهما تحاول إقناعهم تجد ذهنا مشوشا".
وطالب
سليم من المثقفين أن ينزلوا التحرير وكذلك ائتلاف الثورة ليفهم الشباب أن
هناك فصيلا من الثورة المضادة يحاول إفشال العلاقة بين الشعب والجيش، وأنه
كلما اقتربت المحاسبات من أعلى فسيحاول الكثيرون ضرب الثقة بيننا.
وقد
أكّد ناصر بعد مكالمة عمرو سليم: "في المواقف الحرجة أنصاف الرؤى والمواقف
تؤدي إلى التهلكة، ورأي الائتلاف أننا ضد أي انقسام بالمؤسسة العسكرية وفي
ذات الوقت نطلب التحقيق السريع فيما حدث أمس وأيضاً ضبط النفس حتى نستطيع
أن نخرج من هذه المرحلة الانتقالية على وحدة الصف".
الموجة الثانية من الثورة هي الأصعب (عدسة: عمرو عبد الله)
بالثورات الشعبية المكسب بالنقاط وليس بالضربة القاضيةوقد
علّق د.عمار علي حسن على من يقول إن الاستمساك بالجيش أصبح تهمة، مؤكدا أن
هذا يؤكد وجود مؤامرة؛ لأن الشعب هتف في الميدان الشعب والجيش إيد واحدة..
إذا الشعب لديه ثقة في الجيش فمن المسئول عن الحادث؟
وأكّد أن
طبيعة الثورات كموجات؛ فهناك بكل ثورة موجة أولى وثانية وثالثة، وأن ما
نمرّ به الآن هو الموجة الثانية من الثورة وهي الأصعب، وأكّد أنه في
الموجة الأولى قُدم لجمال مبارك اقتراح باجتياح الميدان بالدبابات، ولقي
الاقتراح بالقبول، وتم عرضه على الجيش الذي رفض الاقتراح تماما.
وأوضح
علي حسن أن الموجه الثانية تنتهي بتسليم السلطة للمدنيين، وأضاف أنه في
الثورات الشعبية الشعب يكسب بالنقاط وليس الضربة القاضية.. ولذا يجب أن
يكون يقظ ضد كل من يريد النيل من الثورة.
وأكمل حسن أنه الآن يعاد
تنفيذ الخطة التي قُدّمت ولكن بشكل آخر، وأكد أنه في السياسة هناك فرق بين
النظام والدولة ولكن الخطيئة الكبرى لمبارك أنه دمج الدولة والنظام؛ لذا
فنحن لا نعرف حدود النظام السابق، ولهذا فنحن نحتاج مشرط جراح ليُفرّق بين
النظام والجيش.
وقال عصام العريان إن هناك ألاعيب أخرى للثورة
المضادة؛ وهي إثارة الشك بين القوة الوطنية وبعضها البعض والمزايدة على
الثوار الحقيقيين..
وقد أثار حمزاوي نقطة الاعتراض على
الديمقراطية، وضرب مثلا بالمعترضين على نتيجة الاستفتاء ومن يطالب الآن
بمجلس رئاسي ويرفض نعم، بأنهم لا يعرفون الديمقراطية.
التغيّرات الكبيرة لا تحدث إلا يومي الخميس والجمعةوفي
ملاحظة لمنى الشاذلي مقدمة البرنامج أن الأمور الكبيرة والمؤثرة تحدث يومي
الأربعاء والخميس، وكأنها نوع من أنوع التخفيف من الضغط الذي سيحدث يوم
الجمعة.. لذا فقد اتفق الضيوف على أن المليونيات في أيام الجمع مع
التزامها بهذا الرقي أمر صحي؛ لأن حضور الناس في المشهد مهم وضروري.
وقد
أثار الدهشة أن ما حدث في التحرير كاد أن يحدث بالإسكندرية، وحاول البعض
أيضا الانفصال عن الجموع والهتاف ضد المجلس الأعلى والمشير..
3 طرق لمحاكمة الفاسدين.. فأيّهم تختار؟!وأكّد
حمزاوي على أنه لا يجب أن يكون الإسراع في المحاكمات على حساب كونها
محاكمات مدنية شريفة، تؤكّد فكرة أن الدولة القادمة هي دولة قانون..
وقد أوضحت منى الشاذلي أن هناك 3 طرق الآن يقترحها الشارع للمحاكمات:
فهناك فكرة محاكم الثورة التي ستكون سريعة، ولكن سيحدث بها تجاوزات وسيظلم البعض وتضيع الأموال..
الأخرى فكرة أن تأخذ التحقيقات وقتها أسابيع أو شهور، ولكن تخرج عادلة تماما..
وهناك طريق وسط بين الحالتين بأن يتم المحاكمة على الجرائم الجنائية بالطريق الطبيعي، أما الجرائم السياسية فتتم بحكمة ثورة..
وقد
تختار د. حمزاوي الطريقة الثانية رغم طولها؛ لأن محاكم الثورة لا تنتصر
لدولة القانون، ويحدث بها تجاوزات.. وأن محاكمة أي شخص أمام قضاء استثنائي
أمر كارثي.. بينما طالب د. عمار بأن تكون المحاكمات أمام قضاء طبيعي ولكن
في دوائر خاصة عاجلة..
الثورة ليست آلة عصير قصبوانتهت
الحلقة والجميع يُؤكّدون على تفاؤلهم بأن الأيام القادمة لمصر أفضل بإذن
الله.. وأن هذه الفترة العصيبة ستمر قريباً، ولكن فقط يجب أن يعي الجميع
أن الثورة لم تنتهِ بعد.. وأنها أيضاً ليست آلة لصناعة القصب حيث يوضع
العود من الأمام فيؤخذ العصير من الخلف، بل هي مثل زراعة القصب حيث تمهيد
الأرض وحرثها وبذر البذور وريها وانتظار نضوج المحصول وجنيه.