عز يريد التصالح مقابل مليار جنيه.. والأموال المنهوبة لن تقل عن 700 مليار دولار لماذا نزنق الشعب المصري ونضعه بين خيارين.. إما الأموال وإما المحاكمة؟!
"أحمد عز يريد التصالح مقابل ردّ مليار جنيه.. والمغربي يريد التصالح مقابل ردّ 290 مليون جنيه". هكذا ذكر التقرير الذي أذيع في برنامج العاشرة مساءً في تمهيد لمناقشة موضوع مهم مُثار على الساحة الآن..
هل يمكن عقد تسويات مادية مع مسئولي ورموز النظام السابق المتواجدين في
سجن طره، والإفراج عنهم مقابل ردهم للأموال؟ أم أن هذه التسويات غير
مضمونة، ويمكن التلاعب بها، كما أن الدماء بالتأكيد ليس ثمنها المال؟
بين هاتين الفكرتين دارت الحلقة ودار الحوار بين ضيوف الإعلامية منى
الشاذلي.. فكان هناك أ. عبد الخالق فاروق، المستشار الاقتصادي، والقاضي
خالد الشباسي، رئيس محكمة جنايات شبرا، والمحامي شريف محمود، محامي النقد،
ويدافع عن عدد من الشخصيات المتهمة..
المستثمرين الأجانب قد يلجئون للتحكيم الدوليفبدأ الحوار مع المحامي شريف محمود.. حيث بدأ كلامه بأن الاستحواذ على
أموال بغير حق غير مقبول؛ ولكن يجب أن يكون هناك أسلوب تفكير مختلف
للتعامل مع الموقف، رداً على لسؤال لمنى الشاذلي حول: هل فكرة التصالح هي
ترسيخ لنقطة استخدام النفوذ والمال مرة أخرى لشراء البراءة..
وأوضح شريف أنه لم يتم اتهام أي منهم باستخدام نفوذ؛ بل بالتربح والإضرار
العمدي لأموال الجهة التي عملوا بها، وأكمل "أنا من أنصار أن كل من أخطأ
بحق مصر يعاقب؛ لكن من لم يصل خطؤه لدرجة الجناية؛ فلا مانع أن أتصالح معه
وأستفيد؛ صحيح أن الاتهام الجنائي الموجّه لهذا الشخص هو التربح والإضرار
العام، وهذه جناية؛ ولكن هذا للمسئول، أما المستثمر فتوجّه له تهمة
الاشتراك والمساعدة في الاستيلاء على المال؛ لذا رأيي الشخصي أن هذا
المستثمر أتى مصر كمنطقة آمنة دافئة، وكان يريد زيادة هذه الأموال؛ لذا
يمكن التسوية معه.. ولو كانت هناك أموال مستحقة، لماذا لا يحاسب ويرد
الأموال؟".
وعندما تساءلت منى الشاذلي: "أين المشكلة حتى نضطر
لعمل مصالحة؟؟" أجاب المحامي شريف محمود: "بالشكل القانوني لو أخذناها عن
طريق المحكمة فسنظل في طريق طويل حتى يوقَّع العقاب ونسترد الأموال، أما
لو عملنا تسوية لا تهمل حق الدولة؛ فهذا في مصلحة البلد أن يظلّ
الاستثمار؛ فهناك مستثمرون أخطأوا بحسن نية"...
وأكمل شريف: "كنت
في اجتماع مع رئيس الوزراء ومستثمرين من الإمارات، وكان كثير منهم يريدون
التصالح؛ ولذلك فالموافقة على التسوية مع المستثمرين الأجانب أفضل من
لجوئهم إلى التحكيم الدولي الذي لدينا ذكريات سيئة معه".
"لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا"أما عبد الخالق فاروق -الاستشاري الاقتصادي- فيرى أن لفكرة التسوية
أبعاداً مختلفة، وضّحها بقوله: "هناك بعدان: أخلاقي وقانوني؛ فلو كنا
نطالب ببناء دولة القانون حقاً؛ فلا يمكن الحديث عن تسويات بها من الغبن
أكثر مما بها من الأخلاق، ولنتذكر حديث الرسول: "إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ
تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدّ.
وايْمُ الله! لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ
يَدَهَا"؛ خاصة ونحن لا نتحدث عن سرقة بسيطة؛ بل نتكلم عن دولة سُرقت لمدة
30 سنة، وما تكشّف أكبر كثيراً مما جاء في كوابيسنا"...
ثم أكمل
فاروق موضحاً البعد الثاني: "البعد الثاني هو عودة استخدام الفزّاعات مثل
استخدام فكرة هروب المستثمرين، وضياع المستثمر، والتحكيم الدولي؛ فخطورة
فكرة التصالح أن حجم الأموال الغاطسة كبير وغير معروف، وهناك شركات مع
خليجيين وغيرهم، ولذا لو جرت التسوية على ما هو ظاهر ستكون كارثة؛ فنحن
نتكلم عن تشكيل عصابي يتكون مما يزيد على 200 شخص حول الرئيس السابق؛ كل
هؤلاء لديهم أموال طائلة، ما يظهر منها أقل بكثير مما هو غاطس، ولذا فعلى
أي أساس ستكون التسوية؟".
لم يحدث في التاريخ أن أرجع سارق -تمّت معه تسوية- الأموالَ التي سرقهاوأضاف فاروق: "الأمر الحاسم هو صدور أحكام ضد من شغلوا مواقع حكومية، وإذا
ثبت الحكم ضدهم يمكننا أن نخاطب الجهات الخارجية؛ لأننا موقّعون على
معاهدة بهذا الشأن، وهكذا يمكننا استرداد الأموال الخارجية، وكذلك نطارد
الأموال التي بها شراكة مع أجانب"...
وتساءلت منى الشاذلي طارحة
وجهة نظر من يفكرون بالتسوية، أن حجتهم أن المسئول لن يردّ الأموال بعد
السجن، وحتى لو حجزنا على ما هو منظور من أمواله؛ فسيقضي بضع سنوات، ولن
نستطيع الحصول على باقي الأموال.. لذا فهم يقولون: نحن نختار بين حلّ سريع
ناقص، وحل طويل الأمد كامل مشكوك في أمره..
وقد أجاب عبد الخالق
فاروق مؤكداً: "لم يحدث في تاريخ أي دولة شهدت محاولات للصلح أو التسوية
أن أرشد سارق لحساباته في الخارج.. موضوع التسوية أمر غامض لا يمكن
إمساكه.. وهناك عمليات وأساليب غسيل الأموال تقف خلفها عقول شيطانية لن
تعطيكِ شيئاً، ولم يحدث على الإطلاق، وأتحدى، وأنا أتابع هذا النوع من
التسويات، ولم يعطِ أي شخص عقد تسوية أموال له في الخارج مطلقاً".
مبارك فاسد قبل الرئاسةوفجّر المستشار الاقتصادي عبد الخالق فاروق معلومة هامة بأنه قد أبلغ
السلطات وطلب التحقيق مع الرئيس السابق حسني مبارك في أمر تسجيل صوتي له،
يمكن التأكد منه عبر السلطات الفرنسية والمخابرات الفرنسية؛ حيث طلب
الطيار حسني مبارك –آنذاك- في عام 1971 عمولته عن صفقة طائرات الميراج
التي مرّرها في حكومة ميتران؛ فكيف تحصلين على الأموال في الخارج لمثل
هؤلاء؟
وحول فكرة مقارنة عمليات التسوية والتصالح بما جرى من
مصالحات في جنوب إفريقيا؛ فقال عبد الخالق: "لا يجوز المقارنة بدولة جنوب
إفريقيا.. فالأمر هناك كان حكماً عنصرياً، ومسألة تصفية الحسابات كانت
ستكون مجزرة، والحكومة البيضاء التي كانت تدير فترة الانتقال لم تكن سترضى
بتصفية حسابات مع البيض؛ ولذلك جَرَت التسوية؛ لذا فالأمر مختلف تماماً".
ليحاكموا ويحاسبوا ويردوا الأموالأما القاضي خالد الشباسي؛ فقد بدأ حواره بجملة: "لا عدل بغير حق، ولا حق
بغير تحقيق، ولا حقيقة إلا بالتحقيق"؛ مضيفاً: "يجب أن أحقق وأصل لنتيجة
محددة أن هؤلاء متهمون في قضايا محددة 1..2..3..4، وبعدها أبدأ الحساب".
وأوضح أنه في الأنظمة غير المستقرة الاستبدادية -كما في النظام السابق-
يكون التشريع لصالح فئة محددة، وأكمل: "رداً على فكرة الصلح، الصلح في
القانون والشريعة والفقه بين الجاني والمجني عليه، ممكن أسأل سؤال من
المجني عليه؟ 85 مليون مصري أُهدرت أموالهم وحقوقهم على مدى 30 سنة؛ منهم
من مات، ونحن هنا اليوم لأنهم استشهدوا ولا يستطيعون أن يتصالحوا، ولماذا
دائماً نضع مصر في ركن ضيق.. من قال إن الأموال لن تعود فليحاكموا
ويحاسبوا ويصدر الحكم بالغرامة ورد الأموال أيضاً ضدهم؟".
وأكمل
القاضي هؤلاء لهم أموال في مصر تم التحفظ عليها.. ولكن مشكلتنا هي الأموال
في الخارج، وأوضح: "مصر منضمّة لاتفاقية مكافحة الفساد التي تعطيها حق
التحفظ على الأموال وعائداتها، وكل ما نُهب منها.. والأمر لا يأخذ وقتاً؛
فالاتفاقية واضحة وشفافة وفي الاتفاقية مادة تتيح للدولة المنضمة إلغاء أي
اتفاقات تم إبرامها مع أي جهة أو دولة؛ ما دامت مشوبة بالفساد".
وقعنا على اتفاقية تتيح عودة الأموال بل وإسقاط الديونواستطرد الشباسي: "من قال إننا سنلجأ لتحكيم أصلاً؛ فالاتفاقية تعطينا حق
استعادة أموالنا، وليس الأموال فقط؛ بل ديون مصر وجميع المِنَح من جهات
المختلفة مثل الدول والمنظمات والبنك الدولي، لو ثبت أن هذه الأموال
استخدمت في غير الغرض المخصص لها بسبب الفساد السابق وبسبب أجهزة قمعية،
تسقط، ولن يمنّ علينا أحد بإعفائنا منها؛ بل تسقط؛ فهذه الأموال اتُّخذت
لحكومة بها فساد.. لماذا نزنق الشعب المصري ونضعه بين خيارين: إما الأموال
أو المحاكمة، لا بل يحاكمون وترجع الأموال".
مصر مش هتتبني بالفلوس بل بالعدلوضرب القاضي مثالاً لمنى الشاذلي، قائلاً: "وأخيراً أين العدل لو أتت لكِ
الآن واحدة أحضرت السلسلة والمحفظة والموبايل، وأخبرَتْكِ: دُول اللي
سرقهم زوجي، طلعوه من السجن.. هل تستطيعين؟ لماذا لهؤلاء الكبار إذن؛
والسؤال: هل ستخرجون الناس المتواجدين في جرائم مماثلة.. لماذا هؤلاء فقط؟
هذا التشريع المزمع إنشاءه لصالح فئة ولصالح سكان طره، أم لصالح الشعب
المصري؟".
ثم أنهى مداخلته "في الآخر مش بالفلوس، مصر هتتبنى
بالعدل والقيم والأخلاق وصون كرامة المواطن، وأن نكون كلنا سواسية أمام
القانون، وقتها الناس ستبني مصر".
ما المشكلة لو مستثمر أخطأ بحسن نيه؛ فنسوي معه الأموال؟وقد ردّ المحامي شريف محمود على ما قاله كل من الاستشاري عبد الخالق
فاروق، والقاضي خالد الشباسي بأن: "التسوية مطروحة على المستثمرين وليس
على المسئولين، نحن نتكلم على المستثمر الأجنبي والمصري، وكلهم هربانيين،
والأراضي موجودة، لو سوينا معهم سنأخذ الأراضي.. ومعهم أموال نستفيد
منها"...
وأضاف: "المستثمر حسن النية أخذ أرضاً ليقوم بمشاريع؛
ولكن شاب أخذها أمور غير قانونية، والمستثمر ده بيدفع ضرايبه، وقام بالصرف
على البنية الأساسية؛ لذا عندما نأتي ونخبره أنك خالفت القانون بإجراءات
إدارية.. وأصدر ضده قانون بإحالته لمحكمة الجنايات؛ فيأتي ويقول: أنا عايز
أسوّي وأدفع وأكمل شغل عندكم بالقوانين الجديدة ما المشكلة"...
أهلاً فقط بالمستثمر الشريفوأوضح عبد الخالق فاروق أن حجم الأموال المنهوبة لن يقل عن 700 مليار
دولار؛ في حين رد القاضي خالد الشباسي: "يجب التفريق بالفعل بين
المستثمرين والمسئولين، المسئولون يجب محاكمتهم متفقين على هذا،
المستثمرون بقى مش عايزين نمسك فزّاعة للشعب المصري، ومش عايزين نحافظ على
مستثمر ما احترمش الدولة والشعب"...
وتساءل: "شكلنا إيه أمام
العالم عندما يرمي لنا المفسدين أموال ويروحوا؟؟ ونحن موقعين اتفاقية
لمكافحة الفساد، والعالم يحترمك بعد الثورة شكل مصر إيه؟ مصر اللي
استعدناها، واسمها رجع تاني، مافيش مستثمر جاي يرمي ملايين ومليارات، دون
أن يعرف بالضبط قوانين البلد التي سيعمل بها، ودون أن يكون له مستشارين
يساعدوه ويفسدون له.. ولذا يجب أن يحاسب الكل، وأهلاً فقط بالمستثمر
الشريف".
وأضاف: "أعرف منين هيرجّع إيه؟ ربما لديه 40 مليار
ويرجع لي 20 مليار ويخرج ليتمتع بفلوس الشعب المصري.. وأقول لكل من يزايد:
إن مصر لن تستطيع إعادة الأموال.. لأ، هتقدر بقوتها وسياسيها وقانونيها
ومحاميها، دع فقط القانون يسود".
كفاية مفاهيم المصطبة بقى الآن هناك دولة قانونوأضاف أ.عبد الخالق فاروق لكلام القاضي: "بعض الأصوات بدافع حسن النية
تطلب التصالح، ولا يعلمون أن ثمن ذلك أكبر من أموال سنخسر أكثر؛ فنحن
نرسّخ معنى أن دولة القانون قائمة والكل تحت سلطة القانون مهما كان.. ولذا
من اليوم وحتى يوم القيامة، سيظلّ مشهد العدالة والقانون وسلطة القانون..
ثم أهالي الشهداء نارهم تبرد بشعورهم بأن القصاص تمّ وليس بعودة الأموال،
من يقترح التصالح يرتكب خطيئة سياسية كبرى، وكفاية مفاهيم المصطبة بقى،
الآن هناك دولة قانون"...
وصرح القاضي خالد الشباسي: "أيضاً كل
الهاربين من العدالة الآن في الخارج، كلنا نعرف لماذا لم نستطِع إعادتهم؛
فهناك هاربون وعليهم أحكام، وهناك لجنة من وزارة العدل حالياً بره تقوم
بجرد الأموال، وتبحث عمن صَدَر ضدهم أحكام وسيحضرون، والهاربون للندن كان
أفراداً في الحكم وشركاء لهم ويحمونهم؛ ولكن الآن يمكن أن نُصدر ضدهم
أحكاماً".
وختم القاضي بقوله: "بالعدل وحدة تطيب النفوس الثائرة،
وتتعلم النفوس الصغيرة.. ومصر رجعت لينا، بلاش تضيع منا تاني، ومن أخطأ
يجب أن يعاقب وإلا على البلد السلام".