هل كان رفعت الجمال عميلاً مزدوجاً تسبب في هزيمة مصر في حرب 67 فقاً للخطة التي أعدتها مصر كان على الجمّال أن يندمج في صفوة المجتمع الإسرائيلي
لا تزال قصة رفعت الجمال (الشهير برأفت الهجان) تثير العديد من
التساؤلات واللغط في الجانبين المصري والإسرائيلي، ونجد أن إسرائيل فتحت
هذه القصة مرة أخرى الأسبوع الماضي.
وفي مقاله المنشور اليوم
(الخميس) في صحيفة هآرتس؛ يشير الصحافي الإسرائيلي الشهير، يوسي ميلمان
-المتحصص في الشئون العسكرية والعربية- إلى أن مركز التراث الإستخباراتي
الإسرائيلي قد شهد أول أمس إلقاء محاضرة حولما أسماه "إحدى عمليات الخداع
الناجحة جدًا في تاريخ المخابرات الإسرائيلية"، وهي قصة العميل الذي زرعته
المخابرات المصرية خلال حقبة الخمسينيات في إسرائيل، إلا أنه تم اعتقاله
هناك، ووافق على التعاون مع إسرائيل وأصبح عميلاً مزدوجاً. وتم من خلاله
نقل معلومات كاذبة لمصر، وكان الاسم الحركي لهذا العميل "الوتد".
وقد
تناولت تلك المحاضرة قصة رفعت الجمّال حسب وجهة النظر الإسرائيلية -التي
ستجدون أن بعضها ورد في المسلسل الشهير الذي يحكي عنه- وبعضها الآخر وفقاً
للمزاعم الإسرائيلية، والتي سأترككم تقرأونها كما قيلت:
كانت بداية
قصة تجنيد رفعت الجمال لصالح المخابرات المصرية عندما تورط رفعت في أنشطة
مخالفة للقانون المصري، وعُرض عليه هدم محاكمته مقابل عمله كجاسوس؛ فوافق،
وخضع لسلسة تدريبات، تضمنت زيارات قام بها لعدد من المعابد اليهودية
للتعرف على الدين اليهودي. وبعد تأهيله زُوِّرت له مستدات هوية خاصة
بيهودي يدعى جاك بيتون.
في بداية 1955 أبحر الجمال من الإسكندرية
إلى إيطاليا، حيث مكث هناك لفترة، وعمل بها أيضا، للتغطية على حقيقته، وفي
النهاية هاجر إلى إسرائيل. ووفقاً للخطة التي أعدتها مصر؛ كان عليه أن
يندمج في صفوة المجتمع الإسرائيلي، ولذلك تم منحه مبلغًا ماليًا ضخمًا،
استثمره في المشاركة في شركة "سيتور" للسفريات، الواقعة في شارع برنر بتل
أبيب.
وتحت غطاء "سفريات عمل"، أكثر جاك بيتون من السفر إلى أوروبا
لعقد لقاءات مع المسئولين عن تجنيده في المخابرات المصرية، مما أدى إلى
إثارة الشكوك حوله في إسرائيل، فقام كل من جهازيْ الشاباك والموساد بتعقبه
ومراقبته داخل وخارج إسرائيل، إلى أن شوهد برفقة ضابط مخابرات مصري.
وعند
عودته إلى إسرائيل اعتقله جهاز الأمن العام الإسرائيلي في المطار، وعرضوا
عليه خيارين هما: إما الجلوس في السجن لعشرات السنين بتهمة التجسس
والتخابر، أو أن يوافق على العمل كعميل مزدوج؛ فاختار بيتون (الجمال)
الخيار الثاني.
وكان المسئول عن تجنيد الجمال هو شلومو جولند،
وقام رونان رومان بعد ذلك بتسلم المهمة منه، وقد ألف الأخير كتاباً في
نهاية التسعينيات حول قصة الجمّال.
ومن أجل تعزيز ثقة الجمّال في أعين المصريين-كما تدّعي المحاضرة-
قام بيتون بتصوير قواعد عسكرية إسرائيلية، وجنود أثناء تنقلهم بطريقة
الأوتوستوب، وشارات خاصة بالوحدات العسكرية الإسرائيلية (تم هذا بإشراف
الشاباك)، ثم أرسل تلك الصور إلى مصر. ووفقاً لأقوال رونان: "على ما يبدو
فإن المعلومات التي أرسلها لقيت قبولاً من المصريين"، ولذلك اعتبره أحد
أفضل عملائهم. وفي 1963، في أثناء زيارة له لألمانيا التقى بسيدة وتزوجها
وأنجب منها طفلاً.
أما أهم عملية قام بها الجمال لصالح إسرائيل،
فتمثلت في المعلومة المغلوطة التي نقلها لمصر في 1967 عشية ما يُعرف
بالنكسة، حيث ذكر بيتون لمصر أنه وفقًا لخطة الحرب الإسرائيلية التي حصل
عليها من مصادره؛ فإن إسرائيل ستشن هذه الحرب عبر البر. وكانت هذه
المعلومة كانت هي السبب في أن المصريين تركوا طائراتهم مكشوفة في
المطارات، مما سهل على القوات الجوية الإسرائيلية ضرب جميع الطائرات
المصرية على الأرض خلال ثلاث ساعات فقط، مما حسم الحرب بدرجة كبيرة. ويقول
أبراهام أحيتوف، الذي كان يشغل رئيس القسم العربي في الشاباك أثناء تجنيد
بيتون ورئيس الشاباك في الثمانينيات: "لقد وفر علينا دماءً كثيرة، وما قام
به يوازي عمل كتيبة كاملة".
بعد انتهاء الحرب لم تعد إسرائيل في
حاجة إلى خدمات الجمّال، الذي أصبح أيضا منهكاً من العمليات السرية
اليومية التي كان يقوم بها وتحوله إلى شخص مُشاكل، وزادت مطالبه المالية
من إسرائيل، فقرر الشاباك وقف التعامل معه، وقامت الأجهزة الأمنية
الإسرائيلية بترتيب دخوله في شراكة مع رجل أعمال إيطالي، كانت شركته تنقب
عن البترول في سيناء في حرب 67، التي أصبحت تحت الإحتلال الإسرائيلي. إلا
أن الجمال لم يكتفي بذلك وطالب بالحصول على ملايين الدولارات نظير خدماته
التي قدمها للشاباك الإسرائيلي على مدار 12 سنة، مما أدى إلى إنهيار
العلاقة بينه وبين مسئولي الشاباك.
وبعد ذلك بفترة قصيرة أصيب رفعت
الجمّال بالسرطان، وتلقى العلاج في أحد المستشفيات الإسرائيلية، ولكنه خشي
أن يقوم رجال الشاباك بتسميمه؛ فطلب نقله للعلاج في أوروبا. وتمت
الاستجابة لطلبه فنُقل إلى أحد المستشفيات الألمانية حيث توفي هناك، وتم
دفنه في مصر.
وتعليقاً على القصة التي كتبها الكاتب المصري صلاح
مرسي عن الجمال، والتي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني شهير هو "رأفت الهجان"،
والتي تمجد في الجمّال وتصفه بجاسوس مصري شجاعٍ عمِل داخل عمق العدو
الصهيوني؛ يقول إيسر هرئيل، الذي شغل في السابق منصبيْ رئيس الموساد ورئيس
الشاباك: "فليواصل المصريون تصديق روايتهم!".