الشيخ يعقوب.. بين الحب والحرب ولحوم العلماء يا سيدي كيف تكون طرفا في فتنة أو سببا فيها؟!
بداية يقول تعالى:
{إنما يخشى الله من عباده العلماء}، ويقول رسولنا الكريم: "ليس منا من لم يوقّر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعطي عالمنا حقه"..
من
هذا المنطلق أتحدث عن "غزوة الصناديق" كما أطلق عليها الشيخ حسين يعقوب،
وما تلاها من صخب إعلامي وصل إلى حد السبّ والقذف والتجريح والتشهير
بالرجل الذي يقدّره كثير من أتباعه وتلاميذه ومريدوه.
وحتى لا
يُفهَم حديثي على نحو لا أقصده، فلستُ ممن يطلقون على أنفسهم -خطأ- جماعة
السلفية، وكأن بقية المسلمين لا صلة لهم بالسلف الصالح، ولم يأخذوا من
أخلاقهم شيئا.
بل ولا أميل من قريب ولا من بعيد لكثير من أفكار بعضهم التي تُحرِّم، وتُجرِّم، بل وتُكفِّر أحيانا..
ورغم كل هذا لا أستطيع إلا أن أحترم الرجل..
وأُقدِّر تمسُّكه بدينه..
وأحترم رأيه.. وإن اختلفت معه.. ولكل مجتهد نصيب..
نصيب من إدراك الحقيقة.. ونصيب من الفهم عن الله، ونصيب من قطع شوط الوصول لأسلم الطرق في اتّباع رسول الله..
ولهذا
كان لا بد لي من أن أقف بعد أن تهدأ الثورات، ويعود كلّ من بحر الغضب ليقف
على شاطئ السكينة، ليفكّر ويتدبّر ويراجع ويصوّب على أمل أن يصلح..
أما ما أودّ قوله فإن الأدب مع العالم "واجب" وإن أخطأ..
ولردّه عن الخطأ أسلوب يليق بمقامه كعالم وكشيخ كبير..
وإن
مقولة: "لحوم العلماء مسمومة"، حقيقة أثبتها تاريخ البشر، ومن نالهم بسوء
ناله من ذلك سوءا، إلا العلماء الرحماء الذين يعفون في عميق صدورهم عمن
أساء إليهم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال: "أمرت أن أصل
من قطعني وأعطي من حرمني، وأعفو عمن ظلمني".. فهؤلاء ينالهم من رحمة قلوب
هؤلاء العلماء ما يجنبهم عقاب التطاول على ورثة الأنبياء.
ليس هذا
تهديدا ووعيدا لمن تطاول على عالم، أو أساء إليه، بل هو من باب لمّ شمل
قلوبنا، ومن باب أن مجتمعًا لا يُحترَم فيه الكبير ليس مجتمعا متحررا بل
مجتمعا فوضويا خاليا من الأصول والثوابت الأخلاقية.
وليس الهدف من
حديثي هذا تقديس العلماء، أو التغاضي عن الأخطاء، أو السكوت عن الحق. إنما
فقط أتحدث عن الأسلوب الأجدى لبيان الحق، الأسلوب الذي تعلّمناه من قرآننا
ومن سنّة نبينا، فلا تجريح يثير الشحناء، ولا استخفاف بقدر العلماء.
{يا
أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يُصلح لكم أعمالكم
ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطعِ الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}..
وأرى
أن من ردّ على زلَّة الشيخ يعقوب بسبّ أو تهكّم أو بغير ما يستلزم من أدب
الحديث مع العلماء قد جانبه الصواب، وربما لم يقل قولا سديدا، وأظن أنه
مدين له باعتذار ولو بينه وبين نفسه..
أما الشيخ يعقوب فأقول له:
"يا سيدي، أنت وأمثالك فينا حملة مشاعل النور في ظلمات الفتن، فكيف تكون طرفا في فتنة أو سببا فيها، إننا ندعوك بحق ما أودع الله قلبك من كلماته النورانية التي تتصدع لها الجبال، وتُسيَّر بها الأكوان، ويتحرّك بمدادها ومددها الحب في كل بقاع الأرض وأرجاء السماء، أن تحدّث أتباعك أن الأرض ملك لله، وأن الله خلق كل مَن خلق وهو يعلم إن كان سيعرفه أو سيتنكر له، ورغم كل ما في الأرض من كفر وإلحاد لم يقطع عن أحد رزقا، ولم يطرد أحدا من ملكه، وإذا ناداه من كفر به في ظلمات البحر نجّاه، وإن سبق علمه أنه حين يعود إلى البرّ سيعود إلى كفره به، وعصيانه لأمره، إنما هو كرم الكريم.. وحلم الحليم.. سبحانه... تحدّث عمّا نتفق عليه لا ما نختلف فيه، حدّثنا عن السماحة، ولين الجانب، وعدم الشماتة ولو في أعدى أعدائنا.. حدّثنا عن روح الدين.. وقيمه، ومبادئه، التي جمعت بأنوارها كل بعيد، واحتضنت بآفاقها كل ثقافة، وقدّرت بروحها كل اختلاف، ثم حدّثنا كيف أننا إذا تكلمنا بكلمة ثم شعرنا أنه لم يكن لنا أن نقولها فليس هناك أكرم من أن نعترف بخطأ، أو نعتذر عنه، أو نتوب إلى الله لنمحوه، والله نسأل لنا ولكم الهداية والتوفيق".
|
وأخلُص من هذا إلى أننا ما أحوجنا إلى أن نهدأ قليلا، وأن نتعامل معا
بالحسنى، ولا عيب أن نعترف أننا ونحن نتعامل بحرية اكتسبناها من ثورة دفع
المصريون من أرواح أبنائهم ومن أبدان جرحاهم ثمنا لها؛ أخطأنا السبيل
وتجاوزنا الحدود، وأننا في حاجة للتعامل بشكل أكثر ودّا واحتراما بما يليق
بهذا الثمن المبذول لهذه الحرية.
وأؤكد أن الخطر الأكبر على منجزات
هذه الثورة هو النزاع والفرقة والتراشق بسهام القول والفعل وخائنة الأعين
التي تنطوي على ما تخفي الصدور.
وأن القوة لأي شعب هي في أن يتوحّد..
والضعف والفشل لا يأتي إلا حين نتنازع وننقسم فرقا وجماعات..
وأن الانقسام يأتي نتيجة للتصلب والعناد وإصرار كل منا على أنه صواب وغيره على خطأ..
ارفعوا الحرف الذي وضعه الإعلام المتحيز بين الحرفين اللذين جاءت بهما الثورة..
فالثورة جاءت بحاء وباء..
جاءت بالحب.
ونصرها الله بالحب.
وأذهلت العالم بالحب.
ثم جاء وقت تمسَّك كلّ منا بـ"رأيه" واعتبر رأيه هو الرأي الذي لا قبله ولا بعده.
وأخذنا من الرأي حرف الراء.. ووضعناه بين الحاء والباء؛ فصار الحب حربا..
فلا
تعبدوا آراءكم، وتصنعوا منها تماثيل ومحاريب وأحجارا، ففي الحقيقة كلنا
مخطئون إن لم يراجع كل منا نفسه، ويرفع "راء" رأيه حين يستمع لرأي غيره،
وفي البداية والنهاية -وما بينهما- يحترمه ويقدره وإن اختلف معه..
ارفعوا هذه الراء من بينكم..
علَّكم تجدوا الحب..
وتجدوا الوطن الذي طالما كنتم عنه تبحثون