الثورة.. بين المؤمنين والمنافقين والمنفسنين! ستظل الثورة ملهمة لأجيال أحيتها ولن تموت
ثورة مصر.. المبدعة الخلاقة.. التي لم ولن تموت مهما تمنى المتخاذلون
ذلك واستعجلوا وقوعه، ستظل الثورة ملهمة لأجيال أحيتها ولن تموت..
الثورة
لم تقم على أكتاف أحد، هي شيء نزهه الله عن الاعتماد على غيره والاستمداد
من سواه، إن الله الذي شاء لحبيبه محمدا أن يواجه الدنيا بغير أب ولا أم
ولا معين، ليؤكد أنه وجده يتيما فآوى ووجده ضالا فهدى ووجده عائلا فأغنى..
ورعى كليمه موسى وحيدا في تابوت ليس له ناصر ولا سند، ليصطنعه لنفسه وعلى
عينه.. ولله المثل الأعلى، فقد نزه ثورة مصر عن أن تتكئ على كتف فلان أو
تدين بالفضل لعلان..
الثورة قام بها المصريون على اختلاف طبقاتهم
ومستوياتهم وأعمارهم، ومن يريد أن يهدمها أو يعاديها فهو إنما يعادي مصر
ويسعى لهدمها، دعنا لا نتطرف في الاتهام ونترك الحرية للجميع أن يتكلم؛
فمن حق الكل أن يتكلم، وسيحكم التاريخ والفطرة والعقل على كل كلام بما
يستحقه؛ إن حقا فحقا وإن مكرا فمكرا وإن لغوا فلغوا..
اترك الكل
يقول ما بدا له، واترك كل عين ترى ما تريد، فعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا.. ولكن في النهاية هناك منطق يميز الحق من
الباطل، وهناك واقع يؤكد الصواب وينفي الخبث.
المنطق يؤكد أن كل
المصريين كانوا مظلومين مطحونين، مقتولة أحلامهم، مهدرة كرامتهم ممزقة
ظهورهم وعقولهم بسياط الظلم والطغيان والجبروت، إلا قلة متربحة، متخمة
بالنعيم، محمية بمؤسسات الفساد، متمترسة بمنظومات جعلت من الوطن سجنا ومن
الحق باطلا.
وثار المصريون، صرخ المظلوم وهب المطحون يرفع شكواه ويصرخ بأعلى صوته "آه"، قال لا.. ومن حقه أن يقول...
والواقع
يقول إن ثورة الشباب حققت ما عجزت عنه أجيال أحناها الهم وكفأها الرضا
بالظلم، وطأطأ رؤوسها الذل والقهر وأساطير الجبروت التي ملأت أسماعنا
صغارا وكبارا.
وحين نجحت الثورة وحققت ما عجز عنه الرجال وقصر دونه
الخيال، انقسم الشعب إلى فئات؛ كلٌّ على قدر عزمه وشجاعته ونصيب نفسه من
الإباء والكرامة:
قسم انحنى لحقّ الشباب في التكريم، ونزل على حكم
القدر بأنهم بالفعل أرقى وأعلى وأنبل وأحق بالاحترام والتوقير.. وكأني بهم
كالشيخ الذي يخرج في قناة الجزيرة، يقولون: بأيديكم أن تقدّموا لمصر ما لم
نقدم لها نحن؛ لأننا هرمنا..
وقسم انتظر النهاية، وأرجأ موقفه إلى
أن يبيّن الموقف، فإن كان للمؤمنين نصيب قالوا ألم نكن معكم، وإن كان
لـ"الكافرين" نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم.. هؤلاء تلوّنوا كالحرباء،
غيّروا أسلوب خطابهم، ورسموا على شفاههم ابتسامة الجذل بنصر لم يشارك فيه،
هؤلاء الذين أرادوا أن يُحمدوا بما لم يفعلوا يملؤون الشاشات ويرفرفون في
سماوات الإنترنت ويطيرون كالزغاليل على صفحات الجرائد، لكن الجميع يعلم
أنهم متلوّنون، وسيسقطون إن اليوم وإن غدا..
وقسم أبى أن يفتح
عقله، أو يكتم غيظه، وأبى جلده الغليظ أن يتلوّن، فهذا على فارق القياس لم
يستطع أن يكون مؤمنا، ولم يكن منافقا، وأبى إلا أن يكون صنديدا من صناديد
قريش، حين قالوا: {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون}.
تستحق
الثورة أرقى تكريم من الجميع، دماء قدّمت تستحق الشكر.. في كل شارع شهيد
وفي كل زقاق مصاب، وفي كل بيت من أصابه حجر أو زجاجة مولوتوف أو رصاصة
مطاطية..
أحترم حرية الرأي وإن كان الحديث لا يتعلق بـ"رأي" حتى
تكون له "حرية"؛ فلست أرى المعادي للثورة إلا جاحدا ناكرا للجميل أو
منبطحا مهزوم النفس، ولا أرى له خيارا ثالثا يبرؤه من دم الشهداء.
هذا
ليس ادّعاء لوطنية أو متاجرة بالثورة، فيعلم الله أني من أقل من قدّم لهذه
الثورة الطاهرة، يكفيني لأصمت أنها لم تنل من دمي ولو قطرة، لكني لا أمرّ
على شارع يزين مدخله صورة شهيد فقد روحه إلا بكيت.. أقسم أني أبكي كل يوم
وأجفف دموعي أمام الناس كل يوم، ولذا لن أقبل من يريد أن ينتقص من دماء
الشهداء أو يدعي لنفسه فيها نصيبا..
رحم الله شهداءنا وعافى جرحانا ومتّعنا بمصر نقية خالية من الجراثيم.