عن "كدابين الزفة".. وفرح الثورة!! حسناً فعل المجلس العسكري بالتخلّص من هذه النماذج التي أساءت للإعلام المصري
كثيراً ما نسمع لفظة "كدابين الزفة" في مواضع
عدة.. لكن هل سألت نفسك يوماً من هم وما هي قصتهم؟ سأخبرك.. إنهم هؤلاء
الذين يظهرون فقط في الأفراح، تحديداً في الوقت الذي يُوزّع فيه الطعام..
يذهبون ليأخذ أحدهم قطعة لحم، أو طبقا عامرا بالأرز والبطاطس؛ ليأكل في
نهم. وماذا عن دوره؟ ببساطة يتواجد بالزفة الخاصة بالفرح؛ يرقص ويتمايل
ويهلل؛ بقدر ما ملأ بطنه من طعامه، وبالحجم الذي زاد به جوفه.
لا
أدري لماذا تذكرّت هذا المثل وأنا أتابع الخروج المُخزي لرؤساء تحرير
الصحف القومية، والقيادات الخاصة بالتليفزيون الحكومي. نعم لقد كانوا أشبه
بكدابي الزفة، الحاشية التي تُحيط بالرئيس المخلوع لتهلّل له وتمجّد فيه.
والحمد لله أن جعل الأرشيف الإلكتروني موجوداً. ارجع إلى مقالات أسامة
سرايا في الأهرام، وانظر كيف كان يتغنّى بعبقرية الرئيس في إدارته لشئون
البلاد الخارجية، وإسدائه متفضلاً بالنصائح لأصدقائه من الرؤساء الغربيين.
فضيحة الصورة التعبيرية ستظل وصمة عار يندى لها الجبين لسرايا الأهرام،
الذي رأس تحريره عظماء الأدب والصحافة عبر العصور الممتدة.
وتعالَ
لممتاز القط، أو القط الممتاز حسب وصف الأستاذ بلال فضل له في مقال.. سوف
تجد مقالات في منتهى التقزز. السؤال الذي كان يدور بخلدي كلمّا أقدمت
آسفاً على قراءة أحد مقالات القط: كيف يمكنه أن يكتب عن إنجازات الرئيس
وعشق الشعب له بهذه الصورة الفجّة؟ مقالاته بحق كانت تُثير غثياني.
وتجعلني أسأل في استفزاز: قبل أن يتم تعيين السيد ممتاز القط بيوم واحد في
بلاط صاحبة الجلالة.. هل كان يعرفه أحد؟
ولا أدري كيف أتحدّث عن
محمد علي إبراهيم، الذي سلك منهجاً مختلفاً في رئاسته لتحرير الجمهورية
العتيقة؛ إذ كان يُتحفنا في كل مقال بالحديث المستفيض عن رحلاته العظيمة
مع الرئيس مبارك، والأكل الذي كان يُقدّم إليهم.. ولا أدري هل لوزنه
الزائد دور في هذا. لكني أقترح عليه أن يجمع هذه المقالات بعد خروجه في
كتاب.. وأكاد أجزم أنه سيحصد جائزة الكتاب الأسوأ في أدب الرحلات.
أما
أستاذ الصحافة العظيم الذي سمعته بنفسي في أحد البرامج يشبّه نفسه ذات يوم
بنجيب محفوظ؛ لأنه يجلس على المقاهي أغلب الأوقات ليستمع لهموم الناس
ويعرف مشاكلهم! أتحدّث عن عبد الله كمال، صاحب الابتسامة المستفزّة، والذي
رأس تحرير روزاليوسف حتى دمرّها، وحوّلها من صحيفة كتب بها عملاقة
الصحافة، إلى جريدة ملاكي تُعلي من قدر المهدي الذي كان منتظراً: السيد
جمال مبارك. وأظن أن "كمال" الآن بالفعل يجلس على المقاهي؛ حيث لم يعد له
مكان سواها يحتويه.
وإن تحدثّت عن الأستاذ عبد اللطيف المناوي،
وقطاع الأخبار الذي كانت تغطيته أثناء الثورة فضيحة لن ينساها التاريخ
الإعلامي للأبد. تكفي صورة النيل الهادئة بينما ميدان التحرير يغلي غضباً،
وتامر الغمراوي صاحب الصوت المبحوح، وأسطورة الكنتاكي والعناصر المندسّة
التي نشأت بين جدران التليفزيون المصري، ونشر الشائعات واللعب على وتر
البسطاء من أجل تثبيط العزائم وإجهاض الثورة.
لقد سقت بعض هذه
النماذج اسماً كنوع من التوثيق، وردّ الجميل لهؤلاء الذين كانت حكمتهم في
الحياة "النفاق سيد الأخلاق". نعم فكما هللوا للنظام البائد صفقوا للشباب
الأبيّ ورجال الثورة! لم أرَ بحياتي تلوّنا كهذا. أن يتشدّقوا جميعاً
بمحاربتهم للفساد، وبوقوفهم ضد النظام ومع الشباب.. وتأتي مانشيتات ما بعد
الثورة في الصحف القومية على غير ما عهدنا تماماً، وكأننا مثلاً مجرد
أطفال سُذّج يسهل خداعهم أو اللعب بعقولهم. وحسناً فعل المجلس العسكري
بالتخلّص من هذه النماذج التي أساءت للإعلام المصري طوال فترة جثومهم.
ودعني
أعود معك ثانيةً لمثال "كدابين الزفة"؛ حيث إنه بمجرد انتهاء الفرح لا
يُذكر سوى العريس والعروسة والفرحة وما بعد ذلك من رفاء وبنين وعائلة،
ويُمحى تماماً هؤلاء الذين رقصوا في الفرح؛ لأنهم ملئوا البطون ولم يكونوا
من أهل الفرح.
وقد نجح فرح ثورتنا، وأركانه المتمثلة في الشباب
الطاهر والميدان والمبدأ، وبإذن الله ستكتمل الفرحة بعودة الاستقرار،
والتقدم الاقتصادي، والحرية، والعدالة الاجتماعية، وسينسى الجميع "كدابين
الزفة" في بساطة، فلم يكن يعرفهم أحد قبل يومٍ واحد من وجودهم في مناصبهم
التي خُلعوا منها كما خُلع زعيمهم.