القرضاوي: السلفيون كانوا ضد الثورة.. والآن يقدمون أنفسهم كأنهم أبطالها

القرضاوي: السلفيون كانوا ضد الثورة.. والآن يقدمون أنفسهم كأنهم أبطالها







القرضاوي: السلفيون كانوا ضد شباب 25 يناير.. ثم غيروا موقفهم حين انتصرت الثورة








انتقد الشيخ يوسف القرضاوي -رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين-
التيار السلفي، مؤكداً أنهم كانوا في الجبهة المضادة لتيار شباب ثورة ٢٥
يناير، والغريب أنهم الآن يلصقون أنفسهم بالثورة، ويقدِّمون أنفسهم للشعب
كأنّهم أبطال الثورة، والذابّون عنها!

وعلق الشيخ القرضاوي على
موقف التيار السلفي من الثورة في حواره مع المصري اليوم قائلاً: "السلفيون
رأوا أن هؤلاء الشباب منحرفون عن الكتاب والسنة، وخارجون على وليّ الأمر
الشرعي، الذي أمر الله بطاعته {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}، حتى قالوا:
إن الشيخ محمد حسان كان في فترة من الفترات مؤيدا لهؤلاء الشباب، ثم انسحب
وغيّر موقفه".

وأضاف رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في
حديثه اليوم (الإثنين): "والعجيب أن أكثر السلفيين كانوا في موقف المعارض
للثورة؛ باعتبارها دعوة لمناوئة السلطة، ومخالفة الشرعية، ومعصية ولي
الأمر، وهي دعوة إلى الفتنة، ونشر الفوضى؛ فالواجب على الشعب هو الطاعة
المطلقة لولي الأمر!! ثم غيروا موقفهم حين انتصرت الثورة".

ورفض
القرضاوي وصف الشيخ محمد حسين يعقوب الاستفتاء بأنه غزوة الصناديق، وقوله
إن الناس انتصرت للدين، قائلاً: "الحقيقة أن التعديلات التي عرضت على
الشعب ليستفتي عليها ليست ذات طابع ديني، بل هي ذات طابع وطني، ويتعلق
معظمها بشروط اختيار الرئيس، وكم مدّته، وعدد مرات انتخابه، واختصاصاته،
ونحو ذلك".

وأتبع: "أنا لست من هواة تهويل الأمور، أو تهوينها،
ولذا لم يعجبني وصف "غزوة الصناديق"، وكأننا انتصرنا في معركة (حطين)،
ولكن الذي أعجبني هو موقف الشعب المصري وأخذه الأمر بجد، وإقباله على
الصناديق بكثافة، وتحمله طول الطوابير حتى أدى واجبه".

وأكمل
الداعية الإسلامي حديثه بأن بعض الأخوة قالوا له إن فضيلة الأخ الداعية
المجاهد عالم الإسكندرية المعروف الشيخ أحمد المحلاوي يشدِّد في وجوب
القول بـ"نعم" في الانتخابات على تعديل الدستور، حيث يرى المحلاوي أن
القول بـ"نعم" فرض دينيّ، مَنْ لم يقـُل به عصى الله، فقلت لهم: "أنا
أحترم الشيخَ المحلاوي، وأؤيد القولَ بـ"نعم" في الاستفتاء، ولكنْ بناءً
على المصلحة التي أراها لمصر، فهو أمر اجتهادي، من شأنه أن يختلف فيه
الناسُ".

وأكد القرضاوي أن محاولة استنطاق الأحداث بغير ما تنطق به
شيء آخر هو غير مقبول، والإسلام دين يقوم على الصدق والواقع، ولا يقبل
التزييف والتحريف.

وما جرى في الاستفتاء على التعديلات الدستورية،
التي تحمّس لها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعرضها على الشعب ليبدي
رأيه فيها، مستعجلا تسليم السلطة للشعب أو للمدنيين في أقرب مدة ممكنة،
وقد قدّر الشعب هذه الرغبة الطيبة والنية الصالحة من الجيش؛ فاستجاب له
وقال: "نعم" بهذه الأكثرية الكبيرة، فاعتبر هذا التصويت وفاء للجيش
وتقديرا له.

وسلّم الشيخ يوسف بأن هناك ثورة مضادة في مصر قائلاً:
"أمر طبيعي، ولسنا من السذاجة بحيث نصدّق أن الذين قاوموا هذه الثورة
التاريخية، وحاربوها بكلّ وسيلة، حتى بالقتل واستباحة الدماء، أن هذه
القوى تسلم بسهولة لهذه الثورة، التي نصرها الله وفتح لها فتحا مبينا،
وهداها صراطا مستقيما، ونصرها نصرا عزيزا، ونحن نقرأ قول الله تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ
وَالْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}
[الأنعام: ١١٢]، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ
الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: ٣١]،
ولكن ربما أتوقف في اعتبار أن التيارات الإسلامية المتشددة وحدها هي رأس
الحربة، بل هناك قوى شتى ستعمل ضد هذه الثورة، ولا بد من التيقّظ لهم،
والحذر منهم دون حيف عليهم".

ونفى علمه بأن جماعة الإخوان المسلمين
تحالفوا مع السلفيين على الوقوف معا للتصويت بـ"نعم" على التعديلات
الدستورية، رغم الخلاف المعروف بينهما، إنما وقع اتفاق في المواقف بغير
تحالف، موضحا أنه من الذين دعوا للقول بـ"نعم"، ورأيته القول المطلوب
والمنطقي في هذه الظروف، ولكن لا يضخِّمه إلى الحدِّ الذي تضخّمه بعض
الفئات، ولو قالت الأغلبية: "لا" لوجب أن ينزل الجميع عليها، كما سبق أن
قلت.

وعاب القرضاوي على غياب دور الأزهر بمنهجه الوسطي الذي أتاح
للتيار السلفي المتشدد أن يقوى ويتسع ويؤثر في جمهور من الناس، الذين
يتأثرون بالفكر الحرفي الذي لا يحتاج إلى تأمّل عميق، ولذا سمّيتُ هؤلاء
بـ"الظاهرية الجُدُد"، فلهم من الظاهرية اتجاههم في رفض "تعليل النص"،
و"رفض القياس"، و"أخذ النصوص على ظواهرها دون النظر في مقاصدها"، وإن لم
يكن لهم علم الظاهرية الذي يتمثل في موسوعيّة ابن حزم، وغزارة معرفته
بالأحاديث، وأقوال السلف، وتاريخ الملل والنحل.







القرضاوي: لم يعجبني وصف غزوة الصناديق للشيخ محمد حسين يعقوب












وعن
المنهج الذي يتبعه قال: "لقد تبنَّيتُ من قديم ما عُرف باسم "منهج
الوسطية"، وهو منهج له أُسسه وأهدافه، ومعالمه وضوابطه، وهو يمثِّل
"المنهج الوسط للأمة الوسط"، وهو منهج قرآني نبوي يقوم على التيسير
والتبشير لا التعسير والتنفير، التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة،
فإذا كان بعض الناس يعتمد "الأحوط"، فمنهجي يعتمد "الأيسر"، مستدلاًّ بأن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما خُيِّر بين أمرين إلا أختار أيسرهما ما
لم يكن إثما".

وأضاف: "أرى أن منهج الوسطية هو المنهج الذي يعبّر
بحقٍّ عن الإسلام المتوازن، الذي يمثل الصراط المستقيم فلا يميل يمينا ولا
شمالا، كما تميل مفاهيمُ الناسِ وفلسفاتُ البشرِ، فهذا مادي يغفل
الروحانية، وآخر روحاني يغفل المادة، وهذا فرْدي لا يهتم بالمجتمع وحقوقه،
وآخر جماعي لا يعنى بالفرد وفطرته ودوافعه، وثالث ينظر إلى السماء ولا
يفكر في الأرض، أو العكس، إلى آخر هذه المتقابلات".

وتابع:
"الإسلام دين واقعي، وهو يعترف بأن في الحياة مشكلات كثيرة، نفسية،
واجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وأخلاقية، ولكنه يوقن أن لكل مشكلة حلاً،
ولكل داء دواء، وهو يصف هذا الحل أو هذا الدواء بمنهج متوازن، بعيدا عن
الغلو وعن التسيب، أما العلمانية فلا تصلح حلًّا ولا طريقا لدولة معاصرة
في بلد مسلم، إن العلمانية كانت حلًّا لمشكلة في أوروبا، حيث كانت الكنيسة
الغربية التي تمثل الدين في ذلك الوقت كانت تمثل الملوك ضد الشعب،
والإقطاع ضد الفلاحين، والجمود ضد التحرر، والخرافة ضد العلم، فكَرِهَ
الناس الدين ورجاله وكنيسته، وفصلوه عن الدولة وعن الحياة، وقد وجدوا في
نصوص دينهم نفسه ما يشجعهم على هذا المنهج، حيث قال المسيح: دعْ ما لقيصر
لقيصر، وما لله لله!!"

واختتم الشيخ يوسف القرضاوي حديثه بأن
الدولة التي يريدها الشعب المصري بعد الثورة دولة مدنية ديمقراطية تعددية
تحترم الأديان السماوية وتعتز بالإسلام، وتعتبره دين الدولة، وتجعله مصدر
التشريع والتوجيه، ولا تجمُد في فقهه وتفسيره على ما قاله علماء الأزمنة
الماضية، ولا تنفتح في تفسيره انفتاحا يُخرجه عن الضوابط الشرعية،
والقواعد المرعيّة، وتستفيد من كل التجارب الإسلامية المعاصرة، ومنها
التجربة التركية الموفـّقة في سياستها إلى حد كبير، وإن كان لدى التجربة
التركية من العوائق ما ليس لدينا، فقد قاوم "أتاتورك" الإسلام وشريعته
وثقافته مقاومة ضارية، وصنع عوائق ضد عودة الإسلام وثقافته ودستوره، وجعل
الجيش حاميا للعلمانية، ولم يكتفِ بالعلمانية التي تقف من الدين موقفا
محايدا، كمعظم العلمانيات الليبرالية، التي لا تؤيد الدين ولا تعاديه، بل
وقف أتاتورك موقفا معارضا ومعاديا للدين، لهذا احتاج حزب العدالة والتنمية
إلى جهد جاهد للقيام بإصلاحاته، والوصول بالتدرج الحكيم إلى تحقيق الكثير
من أهدافه.