Aug 31 2010
رمضان جاء ليعلّمنا الصدق مع الله ومع النفس ولنخلع الأقنعة ونكون حقيقيّين في رمضان يبدأ الجميع -إلا قليلاً- في تنفيذ جدول يومي مختلف تماماً عن بقية شهور العام، برنامج غاية في الالتزام يصل لدرجة أن من يعتاد قراءة الصحف كل صباح يفضل أن يقرأ بدلاً منها جزءاً من القرآن الكريم ويؤجل قراءة الصحف إلى ما بعد الإفطار مثلاً أو حتى لا يقرأها بتاتاً، وهذا سلوك مقبول في الشهر الكريم؛ لكن غير المقبول بالنسبة لي هو الادعاء أو التظاهر بالتديّن؛ لدرجة أن نرفض ما كنا أصلاً نتقبله كشيء عادي جداً في غير أيام رمضان.. انتظر لن أتحدث عن فكرة فلسفية ولكن لديّ واقعة.. أعطني الفرصة أن أعلّق عليها.. والرأي رأيك في النهاية.
منذ أيام قليلة أصدرت دار "اكتب" للنشر مجموعة قصصية بعنوان "قُبلة حارة بالألوان" للكاتبة أميرة سعيد عز الدين.. خبر عادي جداً منشور على موقع اليوم السابع؛ لكن التعليق الذي صاحَب الخبر هو الذي أثار في ذهني سيلاً من الأفكار عن المدّعين في رمضان؛ فقد كتب الصديق "برعي" تعليقاً قال فيه: "إحنا في رمضان، اللهم إني صائم، أستغفر الله العظيم" وتابع آخر "لو كسرتم حركة القاف لجاز لكم ذلك في الصيام"!!
ما رأيك.. أظن أن علينا الآن أن نتحدث؛ ففي الأحوال العادية في غير شهر رمضان أتوقع أن السيد "برعي" (المعلق الأول) سيقول: "والله دي حاجة حلوة جداً، وبالتوفيق للكاتبة، وكان ليّ سؤال للمسئولين عن الموقع: من فين أقدر أشتري المجموعة؟!"، وأتوقع أن المعلق الثاني بتاع كسر الحركة سيقول: "طب ليه قُبلة حارة بالألوان، ما ممكن تبقى أبيض وأسود هاهاهاها".
أعتقد أن الصورة أصبحت أوضح قليلاً وتستطيع أنت من الآن أن تبدأ النقاش على الأقل بداخل رأسك.. ودعني أساعدك.. في رمضان ذلك الشهر الكريم كلنا تتغير خريطة حياته -مع استثناءات قليلة- ونهتمّ بالعبادات وتحصيل الحسنات رغبة في مغفرة الخالق عزّ وجل؛ لكن الغريب أن نلبس قناعاً يجعلنا نقول مثلما قال "برعي"؛ فأولاً عنوان المجموعة القصصية لا يعني أبداً أنها مجموعة إباحية؛ ففي الغالب هو مجرد عنوان لإحدى قصص المجموعة التي تعبّر عن حالة معيّنة وليست بالضرورة حالة خارجة وغير مقبولة سواء في رمضان أو غيره.
ربّ رمضان هو ربّ بقية أيام العام
ثانياً: إن سلوكنا الملتزم في رمضان لا يعني أننا سنخدشه بقراءة مجموعة عنوانها "قُبلة حارة بالألوان" أو حتى من غير ألوان، قد أفهم أنك توفّر وقتك لفعل شيء أكثر فائدة من قراءة مجموعة قصصية وتؤجل القراءة إلى وقت آخر؛ لكن تشمئز وتستغفر الله العظيم على شيء ليس حراماً ولا محظوراً؛ فالقراءة لن تكون أبداً سلوكاً يستوجب أن تستغفر الله عليه؛ حتى لو كانت عملاً سيئاً؛ فالسيئ على الأقل يساعدك على فهم العمل الجيد وتمييزه.
فكل ما أقصد أن أقول: إن رب رمضان هو رب بقية أيام العام وما نستغفر منه الله اليوم ونحن في رمضان من المفترض ألا نفعله بقية أيام العام لأن الفعل واحد سواءٌ كنا في رمضان أو غيره، ولن تكون القراءة أياً كان نوعية ما تقرأ إثماً يستوجب المغفرة؛ بل على العكس من وجهة نظري إن القراءة فعل طيب تلمس أثره الطيب عليك كلما قرأت حتى لو كانت قراءة قطعة ورق ممزقة من جريدة قديمة.
"عايزة أتجوز".. إيه قلة الأدب دي!
والحقيقة أن ذلك الشخص (صاحب القناع) الذي علّق على الخبر، قد قابلت العديد من النماذج التي تشبهه في مواقف مختلفة، وفيما يخصّ الكتب على وجه التحديد؛ فأتذكر أنه عندما بدأت أقرأ "عايزة أتجوز" للكاتبة غادة عبد العال، وصاحبة المدونة المعروفة بنفس الاسم والمأخوذ عنها المسلسل الذي يذاع الآن، كنت اقرأه في الغالب في مترو الأنفاق وفي عربة السيدات تحديداً؛ فكنت كلما أرفع رأسي بين صفحة وأخرى أجد العيون ترمقني بنظرة غريبة، التي لو كانت تصيب لأصابتني بجروح تحتاج إلى علاج قد يستمر 21 يوماً، وأحياناً أسمع مصمصة الشفاه بالطريقة المصرية المعروفة وكأن صاحبة تلك النظرة تقول لي: "إيه قلة الأدب دي هي وصلت للدرجة دي"؛ مع أني أقرأ فقط ولست المؤلفة؛ ولكني أتصور لو أني قمت بتجربة بسيطة، وقلت لصاحبة تلك النظرة الغاضبة: "اتفضلي أنا خلّصت الكتاب وممكن تاخديه"، تخيّل كانت ستأخذه بكل بساطة وتضعه في حقيبتها بلهفة، كما لو كنت قد أعطيتها كنزاً وليس كتاب هو في الأصل مجموعة أوراق لا تساوي أكثر من جنيهات قليلة.
نفس الشيء حدث لي مع رواية "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني؛ فالفيلم أعتقد أن الجميع شاهده؛ ولكني عندما وقفت في نفس عربة السيدات التي حدثتك عنها لتوّي كان الأمر مختلفاً؛ فقد قالت لي فتاة في مثل عمري تقريباً بعد أن وضعت يدها على فمها: "يا خبر إنت بتقري لعلاء الأسواني ده كاتب.."؛ مع أن نفس هذه الفتاة لو وقعت في يدها الرواية لقرأتها حتى لو اضطرت أن تقرأها تحت البطانية بأنوار خافتة.
باختصار -في رأيي- أن رمضان جاء في الأصل ليعلّمنا الصدق مع الله ومع النفس ومع الناس أيضاً، وجاء لنخلع الأقنعة ونكون حقيقيّين وليس بشراً مزدوجي الشخصية، نستغفر الله عندما نسمع أن هناك مجموعة قصصية اسمها "قُبلة حارة بالألوان" لأنها صدرت في رمضان، وبعد رمضان أبحث عنها في كل مكتبة أدخلها، وإذا وجدتُها أعتبرها كنزاً خاصاً؛ لأنها اسمها أيضاً "قُبلة حارة بالألوان"؛ فأتصور أني على مشارف قراءة ممتعة.. وأتصور أنك فهمت ما بين السطور.. ورمضان كريم.
آهـٌ‘ـلآ وسـٌ‘ـهـٌ‘ـلآ بـكـم فـى مـنـتـديـآت 
