موضوع: خلاصة تفسير سورة الفاتحة ...1... السبت أكتوبر 25, 2008 12:02 pm
من أجل تعظيم الله تعالى تفسير سورة الفاتحة من رسائل النور والظلال خلاصة مختصرة لسورة "الفاتحة "
من درس واحد فقط القي في المدرسة اليوسفية الثالثة في فترة قصيرة جداً اثناء نقلي من التجريد والسجن الانفرادي الى الردهة العامة ومعاشرة الاخرين. نموذج لدرس قصير جداً القي على طلاب النور في السجن لقد أمرت "الفاتحة" التي في الصلاة، القلبَ لبيان قطرة من بحرها ولمعة من فيوضات الالوان السبعة لشمسها. ولقد كتبنا نكات لطيفة في غاية الطيب والجمال لهذه الخزينة القرآنية السامية في كل من المكتوب التاسع والعشرين - في قسم منه - وبخاصة في السياحة الخيالية في "ن" نعبد وفي رسالة "الرموز الثمانية" وفي تفسير "اشارات الاعجاز" وفي سائر اجزاء رسائل النور. الاّ اننى اضطررت - من جهة - الى كتابة تفكري في الصلاة لإشارات تلك الخلاصة القرآنية الطيبة الى اركان الايمان وحججه فقط ولخلاصتها التي هي في منتهى الاختصاركالقسم الأول. أبدأ بـ "الحمدلله" محيلاً "بسم الله الرحمن الرحيم" الى عدد من رسائل النور.
الكلمة الاولى : وهي (الحمدلله) ان اشارة في منتهى الاختصار الى حجتها الايمانية هي : ان مبعث الحمد والشكر في الكون؛ هو الآلاء والنعم التي تغدق قصدا ً ولاسيما إرسال اللبن الخالص السائغ للشاربين من بين فرث ودم للصغار والاطفال العاجزين، والاحسانات والهدايا الاختيارية، والاكرامات والضيافات الرحيمة التي غطت سطح الارض برمته، بل غمرت الكون كله، وان ما يقدم لها من اثمان وقدر لقيمتها هي قول: "بسم الله" بدءاً ثم "الحمدلله" ختاماً؛ وبينهما الاحساس بالانعام من خلال النعمة نفسها ثم البلوغ منه الى معرفة الرب الجليل. فانظر الى نفسك بالذات والى معدتك والى حواسك ؛ كم هي محتاجة الى أمور كثيرة ونعم وفيرة! وكم تطلب الارزاق واللذائذ والاذواق بأثمان الحمد والشكر! ابصر هذا وقس على نفسك كل ذي حياة. وهكذا فإن الحمد غير المتناهي المنطلق بألسنة الاحوال والاقوال؛ إزاء هذه الآلاء الشاملة؛ يبين كالشمس الساطعة ربوبية عامة وموجودية معبود محمود ومنعم رحيم.
الكلمة الثانية : وهي (رب العالمين) ان اشارة مختصرة جداً الى ما فيها من حجة هي : إننا نشاهد بأبصارنا ان في هذا الكون الوف العوالم والاكوان الصغيرة، بل ملايين منها، واغلبها متداخل بعضها في البعض؛ وبرغم ان ادارة كل منها؛ وشرائط تدبير شؤونها متباينة، فانها تدار في منتهى التربية والتدبير والادارة، فالكون كله صحيفة مبسوطة امام نظره جل وعلا في كل آن، وجميع العوالم تكتب كسطر بقلم قدرته وقدره، وتُجدد وتُغير.فتنبعث شهادات كلية وجزئية وبعدد الذرات والموجودات الحاصلة من تركبها، وفي كل لحظة وآن، على وجوب وجود ووحدانية رب العالمين الذي يدير هذه الملايين من العوالم والكائنات السيالة بربوبية مطلقة ذات علم وحكمة لانهاية لهما وذات عناية ورحمة وسعتا كل شئ. ان من لايصدق بربوبية جليلة تربي وتدبر الامور؛ إبتداءً من مزرعة الذرات الى المنظومة الشمسية والى دائرة درب التبانة؛ ومن حجيرة في الجسم الى مخزن الارض والى الكون كله، تربيها وتدبر شؤونها بالقانون نفسه وبالربوبية نفسها وبالحكمة عينها، ولايستشعر بها ولايدركها ولايشاهدها، يجعل نفسه بلاشك أهلاً لعذاب خالد ويسلب عنه الاشفاق والرحمة عليه.
الكلمة الثالثة: وهي (الرحمن الرحيم) ان اشارة مختصرة جدا ً الى ما فيها من حجة هي: انه يشاهد بوضوح ضوء الشمس وجود الرحمة غير المتناهية في الكون وحقيقتها. فهذه الرحمة الواسعة تشهد شهادة قاطعة - كشهادة الضياء على الشمس - على رحمن رحيم محتجب بستار الغيب. نعم، ان قسماً مهماً من الرحمة هو الرزق، حيث يعطى معنى الرزاق لإسم الله "الرحمن". والرزق نفسه يدل على الرزاق الرحيم دلالة واضحة الى درجة تجعل من له ذرة من شعور مضطرا ً الى التصديق والايمان. فمثلا ً: أنه سبحانه يهئ ارزاق جميع ذوي الحياة، ولاسيما للعاجزين وبخاصة للصغار، وهم منتشرون على الارض كافة والفضاء كله، يهيؤها لهم بصورة خارقة وهى خارج نطاق اختيارهم واقتدارهم، من غير شئ، من نوى متماثلة، من قطرات ماء، من حبات تراب. حتى انه يسخر للفراخ الضعاف العاجزة عن الطيران والجاثمة في اوكارها على قمم الاشجار، امهاتها وكأنها جندية متأهبة لتلقي الاوامر، فتجول الخضار وتجوب السواقي لجلب الارزاق اليها. بل يسخر اللبوة الجائعة لشبلها، فتطعمه مما حصلت عليه من لحم دون ان تأكل. ويرسل من بين فرث ملوث ودم احمر لبناً سائغاً للشاربين، الى صغار الحيوانات والانسان، يرسله من ينابيع الأثداء، بلا إختلاط ولا إمتزاج ولاتلوث، جاعلاً شفقة والداتهم معينة لهم. وكما انه يُهرع الارزاق الملائمة الى جميع الاشجار المحتاجة الى نوع من الرزق بصورة خارقة، يُنعم على مشاعر الانسان التي تطلب نوعاًً من ارزاق مادية ومعنوية؛ ويُحسن الى عقله وقلبه وروحه مائدة واسعة جداً للأرزاق. حتى كأن الكائنات مئات الالوف من موائد النعم المتداخلة ومئات الالوف من سفرات الأطعمة المتباينة، مكتنف بعضها ببعض كأوراق الزهرة وكأغلفة العرانيس، غلافا ً داخل غلاف. فتدل لمن لم يطمس على عينه على الرحمن الرزاق والرحيم الكريم بألسنة بعدد تلك السفرات المبسوطة وبمقدار ما عليها من أطعمة، ألسنة متباينة متغايرة كلية وجز ئية. واذا قيل: ان ما في هذه الدنيا من المصائب والقبائح والشرور تنافي تلك الرحمة التي وسعت كل شئ ؛ وتعكّّر صفوها!. الجواب: لقد أوفت جواب هذا السؤال الرهيب أجزاء رسائل النور؛ ولاسيما رسالة القدر. نحيل إليها مشيرين اشارة قصيرة اليه: ان لكل عنصر ولكل نوع ولكل موجود؛ وظائف متعددة كلية وجزئية ؛ ولكل من تلك الوظائف نتائج كثيرة وثمرات وفيرة. والأكثرية المطلقة منها هي نتائج جميلة ومصالح نافعة وخيرات ورحمات. وقسم قليل منها يصبح شراً وقبحاً جزئياً وظاهرياً وظلما ً إزاء فاقدي القابلية والمباشرين به خطأً، او المستحقين للجزاء والتأديب، او لما يكون وسيلة لإثمار خيرات كثيرة. فلو منعت الرحمة ذلك العنصر وذلك الموجود الكلي عن القيام بتلك الوظيفة للحيلولة دون مجئ ذلك الشر الجزئي، لما حصلت إذاً جميع نتائجها الخيرة الجميلة الاخرى. فتحصل من الشرور والقبائح بعدد تلك النتائج، حيث ان عدم الخيرٍٍشرٌ، وإفساد الجمال قبحٌ. بمعنى ان مئات الشرور والمظالم تقترف للحيلولة دون مجئ شر واحد، وهذا مناف كلياً للحكمة والمصلحة والرحمة التي تتسم بها الربوبية. مثال ذلك: ان الثلج والبرد والنار والمطر وماشابهها من الانواع ينطوى كل منها على مئات من الحكم والمصالح، فاذا ما قام احد المهملين بسوء اختياره بإرتكاب شر بحق نفسه كأن ادخل يده في النار ثم قال: ليس في خلق النار رحمة. فان فوائدالنار الخيرة الرحيمة النافعة وهي لاتعد ولاتحصى تكذبه في قوله وتصفعه على فمه. ثم ان اهواء الانسان ومشاعره السفلية التي لا ترى العقبى؛ لا تكون قطعاً مقياساً ومحكاً وميزاناً لقوانين الرحمانية والحاكمية والربوبية الجارية في الكون؛ اذ يرى الوجود من خلال تلك المشاعر حسب الوان مرآته. فالقلب المظلم الخالي من الرحمة يرى الكائنات باكية قبيحة تتمزق بين مخالب الظلم وتتقلب في خضم الظلمات. بينما لو ابصرها ببصر الايمان يجدها على صورة انسان كبير متسربل بسبعين الف حلة قشيبة مخيطة بالرحمات والخيرات والحكم، بعضها فوق بعض كأنها حورية من الجنة لبست سبعين حلّة من حللها. ويجدها باسمة دوما بالرحمة ضاحكة مستبشرة. ويشاهد نوع الإنسان الذي فيه كوناً مصغراً، وكل انسان عالماً اصغر، فيقول من اعماق قلبه وروحه: (الحمد لله رب العالمين _ الرحمن الرحيم _ مالك يوم الدين).