نطالب القادة العرب بتحمل مسئولياتهم تجاه مقدساتنا
رحنا سِرْت.. جينا من سِرْت.. المهم: الفسحة كانت حلوة؟ وعلى رأي الشاعر: "سِرْت" لا أعلم من أين ولكني أتيت..
في لحظة فريدة -وسميحة وأم السعد- من نوعها اختتمت القمة العربية الأخيرة بمدينة "سِرْت" الليبية فعالياتها بأن تمخضت فولدت ليس أكثر من رفض الاستيطان الإسرائيلي من باب "آهو نستخبى في أوباما"، وطرح الإجراءات الإسرائيلية غير المشروعة في القدس على المحافل الدولية من باب "يرضيك يا عمدة؟"، ولم يُجِب القادة العرب في قمتهم عن أي سؤال فلسطيني، ولم تكن القمة على مستوى الطموح أو على مستوى الأحداث أو على أي مستوى آخر..
لم يفكر العرب حتى في التلويح بمبادرة السلام العربية -التي هددوا بسحبها منذ عام، وأكدوا أنها لن تبقى مطروحة -ولا حتى مجموعة- للأبد، من أجل ممارسة الضغط -والسكر وسرطان الرئة- على رئيس الوزراء الإسرائيلي للقبول بأي شيء، أي شيء.. بدل الوش الخشب ده.
ولم يجرؤ العرب حتى على اتخاذ موقف من قضية المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ويبدو أنهم تركوا هذا الأمر لنتنياهو ليتخذ هو القرار المناسب؛ لحفظ ماء وجوههم التي أظن أنها تعاني من الجفاف.
طبعا نعلم جميعا أن الإدارة الأمريكية تشترط وقف الاستيطان بالقدس، ولهذا اتخذ القادة العرب القرار الجريء والشجاع بالاستتار خلف الموقف الأمريكي ورفض الاستيطان بالتبعية، واستغلال الموقف الأمريكي في الضغط على الحكومة الإسرائيلية.
نسي القادة العرب أن نتنياهو قد أدار ظهره وبقوة لكل شيء، وعادت السياسة الإسرائيلية القديمة إلى الواجهة، سياسة "البلطجة"، وهي السياسة التي لم يسجّل التاريخ أن واشنطن اعترضت عليها يوما، ولن نخوض في أسباب ذلك، ولكن من لا يرى من الغربال فأنصحه بتغيير القرنية..
فإذا أصر العرب على الاستتار بأوباما فسرعان ما سينكشف سترهم قادر يا كريم.. وإذا ما أصروا على المراهنة على ذلك وأبوا أن "يغيروا القرنية"، ومضوا قدماً في دبلوماسية الملاينة والملاطفة و"بكرة يكبر ويعقل"، التي يعرفون نهايتها جيدا، فإننا نودّ أن نذكرهم -فقط من باب التذكير- بعدد المرات التي اتجهوا فيها إلى مجلس الأمن والحصول على قرار فوري وملزم وعنيف وسخن ومولّع ضربت به إسرائيل عرض -وطول وارتفاع- الحائط، فكان نتيجة التحركات الدبلوماسية الحثيثة للعرب أشبه كثيرا بـ"بلها واشرب ميّتها"، الغريب أنه يبدو أن "ميّتها" قد راقت للبعض، فقرروا أن "يبلوها" مرات أخرى، ولم يستفد دبلوماسيونا من آلاف الدروس التي أخذوها على أيدي الإسرائيليين جراء المضي في طريق المفاوضات والرغبة في إحلال السلام الشامل والعادل و"الساقع" بالمنطقة..
وبالطبع نحن نعلم النجاح الهائل الذي حققته المفاوضات للمواطن الفلسطيني على مدى السنوات الماضية؛ فقد مات أبو عمار رحمه الله ولم يذق له طعما، وها هو أبو مازن سيرحل هو الآخر ولم يذق له طعما، وهكذا من يأتي بعده سواء كان أبو وائل أو أبو ياسمين أو غيرهما -ما تدقّش أوي- فلقد ناضل في مسار المفاوضات الكثيرون، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما شموا لها ريحا، اللهم إلا "بلها واشرب ميّتها"..
سيقال بأني مؤيد للمعسكر التاني، وداعم للي بالي بالك، ومناهض للـ"إشي إشي"، لكن ما البأس في أن نتعلم من الماضي ما المانع من أن نرى من الغربال.. وإذا لم ننظر لما فات ونعدل الأوضاع فسنظل طول العمر ندور في الرحى، ولا الساقية هتنتهي ولا البير هيجف..
نطالب الحكام العرب بتحمل مسئولياتهم تجاه مقدساتنا، ونطالبهم بتبني رؤية واضحة وقوية وشجاعة في مقابل البلطجة الإسرائيلية الحالية..
إننا هنا لا نتحدث عن قطعة أرض أو بئر نفط.. إننا نتحدث عن القدس.. عن المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.. عن مسرى محمد ومهد عيسى.. لا نتحدث عن سيادة إسرائيلية، بل نتحدث عن إبادة حقيقية.. فهل يدرك القادة العرب معنى ذلك؟؟ أظن أن ما انتهت إليه القمة العربية الأخيرة يجيب بالنفي..